بين الحل الدستوري والسياسي وتقليص الفجوة بين المؤسسة العسكرية وقوى المعارضة… أي مخرج للأزمة بالجزائر بعد الجمعة الحادية عشر؟

 

في وقت بدأت الفجوة بين المؤسسة العسكرية في الجزائر وقوى المعارضة تتقلص بشكل كبير, بعد دعوة قطاع عريض منها إلى التخفيف من حدة التصلب في المواقف بين الجيش المتمسك بتطبيق الحلول الدستورية المطروحة على حذافيرها, وبين المطالب الشعبية التي تتمسك برحيل بقايا نظام حكم الرئيس المتنحي عبد العزيز بوتفليقة على غرار رئيس الدولة الجزائرية المؤقت عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي, برزت تساؤلات عديدة بعد الجمعة الحادية عشر, أمس, التي تميزت بتوجيه انتقادات حادة إلى قائد أركان الجيش من قبل متظاهرين وصلت إلى حد اتهامه بـ ” عرقلة الحراك ” والالتفاف على مطالبهم الرئيسية المتمثلة في رحيل نظام بوتفليقة.

وأمس رفع متظاهرون عدة شعارات “ناقمة” على الجنرال أحمد قايد صالح وداعية إلى اقتلاع جذور النظام وجر جميع رموزه إلى أروقة العدالة, على غرار ” أنا آسف يا قايد صالح, هذا الشعب ليس غبيا ” و ” هذا الشعب لا يريد بن صالح وصالح والسعيد ” في إشارة منهم إلى شقيق الرئيس الأصغر السعيد بوتفليقة.

وكان أكثر شيء أثار حفيظة الشارع الجزائري الذي يطالب برحيل بن صالح ونور الدين بدوي, خطاب المسؤول العسكري الذي أعلن فيه تمسكه بالانتخابات الرئاسية وتنظيمها في موعدها المقرر في الرابع من شهر تموز/ يوليو القادم, وشدد في كلمة له الثلاثاء 30 نيسان / أبريل 2019, على ضرورة تهيئة الظروف الملائمة لتنظيمها باعتبارها ” الحل الأمثل للخروج من الأزمة ” موضحا أن الجيش “لا يحيد عن الدستور، مهما كانت الظروف والأحوال”.

ورغم دخول الحراك شهره الثالث يبدو أن المؤسسة العسكرية غير مستعجلة في حسم الموقف لصالح ” الحل السياسي, فالأولوية في الظرف الراهن بالنسبة لها هو تطهير المناخ السياسي من خلال مطاردة رجال أعمال ومسؤولين بارزين في النظام السابق حتى لا يتنسى لهم النهوض مجددا وتأمين المرحلة القادمة وهو ما يؤكده المحلل السياسي توفيق بوقاعدة في تصريح لـ ” رأي اليوم ” قائلا إن الهدف الأسمى لقيادة الجيش حاليا هو ” تجفيف كل منابع القوى غير الدستورية أو الدولة العميقة ” بهدف تأمين المرحلة القادمة من اختراق جديد من طرف ” الكارتل المالي وكل ما كانت له علاقة بالنظام السابق الذي عمَر أكثر من عقدين من الزمن “.

ومن بين السيناريوهات المطروحة في المشهد الجزائري حسب المحلل السياسي أحسن خلاص هو تأجيل الانتخابات الرئاسية للمرة الثاني على التوالي بسبب عدم توفر الظروف الملائمة, نظرا لاتساع رقعة المقاطعة, فضلا عن فشل مشاورات بن صالح لتشكيل هيئة مستقلة تشرف على تنظيم الانتخابات, ويقول خلاص في تصريح لـ ” رأي اليوم ” ” أتصور أن تؤجل الانتخابات إلى الخريف القادمة لمباشرة حوار تقوده شخصية مستقلة من أجل جمع المقترحات حول ضمان إجراء انتخابات تفضي إلى المخرج “.

وردد محتجون, أمس الجمعة, شعارات تعكس رفضهم إجراء الانتخابات أبرزها ” لا يوجد انتخابات يا نظام العصابات ” و ” لن أنتخب ” و ” لا لانتخابات المزورين ولا لحوار الطرشان … نريد مرحلة انتقالية برجالات نظيفة لأن الشعب الجزائري هو الدستور “.

وحمل المتظاهرون صورا لشخصيات أخرى يريدون منها أن تقود المرحلة الانتقالية يتقدمها وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي ورئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور والمحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي.

لكن تأجيل الانتخابات الرئاسية يفتح الباب أمام فراغ دستوري جديد, وهو الأمر الذي يرفضه بشكل قاطع قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح الذي حذر مرارا وتكرارا من حصول ” فراغ دستوري ” في الجزائر, معتبرا أنه من غير المعقول تسيير المرحلة الانتقالية خارج المؤسسات.

وقال قايد صالح في بيان صدر بتاريخ 10 أبريل / نيسان الماضي, ” مع انطلاق هذه المرحلة الجديدة واستمرار المسيرات، سجلنا ظهور محاولات لبعض الأطراف الأجنبية (…) تنفيذ مخططاتهم الرامية إلى ضرب استقرار البلاد”. وأضاف إنّ “التحضير للانتخابات الرئاسية سيتم بمرافقة” الجيش “الذي سيسهر على متابعة هذه المرحلة (…) في جو من الهدوء وفي إطار الاحترام الصارم لقواعد الشفافية والنزاهة وقوانين الجمهورية”.

ويرى المحلل السياسي عبد الكريم تفرقينت, أن ما تعرفه البلاد هذه الأيام هو تصحيح لوضع غير سوي ساد خلال السنوات السابقة “, ويقول إنه ” ومهما كانت الحلول أو الإجراءات المراد بسطها لترتيب أمور الحكم الجديد وتسيير شؤون البلاد بطريقة مغايرة لما سبق, فإن لعامل الثقة دور رئيسي فيها “, ويضيف أن ” الحل الدستوري المطروح الآن, ينبغي أن ينال ثقة الشعب إذا أثبتت السلطة الفعلية إرادتها في تثمينه بوسائل وصيغ وميكانيزمات تبعد مظاهر الممارسات السابقة وتكرس تغييرات ملموسة في أرض الواقع “, ويقول أيضا بخصوص الحل السياسي إنه ” من غير الممكن طرحه دون مواكبة دستورية نظرا لهشاشة الطبقة السياسية لأن النظام السابق حرمها من الممارسة الصحيحة للسياسة وجعلها زبون يعتمد على بضاعة دكان الحاكم “, ويؤكد المتحدث أن مسؤولية تفعيل الحراك الشعبي وبلورة إجراءات التغيير المنشود بطريقة حوارية توافقية تضمن الانتقال السلمي السلس المتدرج للحكم, تتحملها المؤسسة العسكرية والطبقة السياسية معا.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى