الحرية أنثى …؟؟!!
الحرية أنثى.. بسبب تحول الحراك الشعبي من ثورة كرامة وحرية الى أزمة انسانية مجتمعية وطنية .. سببها الخيار العسكري الذي تبناه النظام في قمع الحراك، ليتبعه تسليح ممنهج للثورة .. أظهرت المرأة السورية حضوراً لافتاً ومميزاً خلال السنتين الماضيتين ..تجسد من خلال النشاط الاغاثي والمجتمعي الذي قامت به على صعيد العمل الثوري، وبالمشاركة الميدانية القوية الفاعلة، وعلى الصعيد الانساني من خلال تقديم الدعم والمساعدة للمتضررين والمحتاجين بسبب حالة العنف الكبير التي رافقت الحراك الشعبي في سوريا .. لتكون هي الأم والأخت والزوجة لقضايا الحرية والكرامة والعدالة .. وشريك حقيقي على الأرض.
ولكن تزايد العنف والتوجه الى العمل المسلح، ودخول الفكر المتطرف الاقصائي إلى بعض المناطق .. إضافة الى محاولات تدنيس عفة المرأة وتشويه صورتها وإهانتها من خلال الاغتصاب والاعتقال الذي تعرضت له بعض السيدات المشاركات في الحراك الثوري، أدى الى تراجع المرأة من شريك الميدان الأساسي، إلى الداعم والمناصر في الصفوف الخلفية، لينتقل دورها من المطالبة بالحريات والعدالة والمساواة، الى تأمين الطعام والشراب والمأوى الى المتضررين مباشرة من حالة العنف غير المسبوقة التي واجهها المجتمع السوري ..
وقد تسبب غياب الرجل الإجباري عن المنزل بسبب الملاحقات الأمنية للناشطيين الثوريين من جهة، وانخراطه في العمل المسلح من جهة أخرى، بأن تأخذ المرأة دوراً أكبر وأكثر فعالية في الأسرة والمجتمع .. ولتتحمل العبء المادي والاقتصادي ومصروف البيت، كونها أصبحت المعيل الأول للأسرة بسبب غياب الأب والزوج والشريك المعتقل في غياهب السجون .. أو الشهيد .. أو المنخرط في الجيش.
فعلى الرغم من المعيقات الكبيرة التي تواجهها المرأة في مجتمعاتنا العربية .. ومنها تحجيم دورها وتقييده بمفاهيم العمل الأسري، وما يخدم الزوج والأولاد .. اضطرت المرأة السورية اليوم إلى أن تغرد خارج السرب باحثة عن فرص عمل جديدة ، مما ساعدها على الاحتكاك ولو جزئياً بمجتمعات وأجواء لم تعتد مخاطبتها … فسحت أمامها الطريق لتأخذ دوراً أكثر تأثيراً وفعالية .. وتكون هي اللاعب الأساسي وصاحب القرار في بعض مفاصل العمل الاغاثي المدني.
ميزة إيجابية إذا أحسنا استغلالها اليوم نراهن بها على مستقبل المرأة السورية .. المرتبط بمستقبل الحرية والديمقراطية، والتي تعتبر تحرر المرأة وتطورها الميزان الأساسي لقياس مدى قدرة هذا المجتمع على النهوض على قدميه من جديد، والانفتاح على الديمقراطية الحقيقية.
ولكن لا يسعنا رغم هذه الإيجابية إلا أن ندرك تماماً، أن العمل الاغاثي تسبب بحالة من التوهان والضياع لأهداف الثورة في زحمة هذا القتل والعنف .. مما أخلى الساحة في بعض المناطق لفكر متطرف إقصائي أن يغزو هذه العقول الغضة والمتعطشة لفكر حر، مستغلاً حاجة الناس المادية وتعبها النفسي لبث سموم فكرية قائمة على تفوق الرجل وتسلطه وقيادته .. وإعادة المرأة الى خانة الزوجة المطيعة والأم الرؤوم .. خاصة في ظل تشرذم معارضة لم تكن النساء تشكل فيها إلا نسبة هزيلة مقارنة مع تعدادهن السكاني .. والتهاء الممثلين عن الشعب بحصر جل اهتمامهم وأهدافهم باسقاط النظام بأي ثمن، مهملين ضرورة وضع أجندة سياسية مستقبلية تكون فيها حقوق المرأة وقضاياها، وتطوير دورها المجتمعي، واشراكها في مراكزصنع القرارات السيادية، هو من أولويات أي مرحلة انتقالية تضمن فعلاً أننا وضعنا رجلنا على الخطوة الأولى في طريق الحرية والعدالة ..
لذلك أضحى من الضروري جداً وضع مبادئ فوق دستورية تحمي حقوق المرأة من أي مساس، آخذين بعين الاعتبار حقوق المرأة ومساواتها ليس من منطلق تمييز جنسي .. إنما من منطلق مواطنة ومساواة .. فالحرية أنثى .. والأنثى هي المرأة التي تنجب وتربي وتعلم وتصنع الأحرار …
وكلما كانت حقوق المرأة واضحة ومحققة… كلما تمكنا من بناء جيل حر .. يصنع مجتمعاً ديمقراطياً .. حراً .