بين قوسينكتاب الموقع

على الحبل ….!!

كانت محاولته ليمشي على الحبل دون أن يقع من ارتفاع عشرة أمتار، وهو ممسك بعصاه من المنتصف يحاول أن يتوازن ويمشي بخطوات ثابتة .. ظهره مشدود، وعيناه إلى الأمام، محاولاً التركيز على هدفه، ومتناسياً الجمهور في الأسفل الذي يحدق إليه بنظرات مترقبة تنتظر إما أن يقع .. أو أن يصل بسلام إلى نهاية الحبل .. لتنطلق صيحات الاعجاب وصفرات التشجييع.
مشهد من أكثر مشاهد السيرك أشعر أن كثيرين باتوا يعيشونها اليوم … محاولين إمساك العصا من منتصفها خشية الوقوع ..لتميل مرة ناحية اليمين، ومرة ناحية الشمال، والمشي بخطى حذرة .. قلقة … بطيئة  ولكن ثابتة .. تصل إلى الهدف رغم أن الخوف من التعثر والسقوط مازال موجوداً … فأي حركة خاطئة قد تودي الى الهاوية. هذا ما يسميه البعض في السياسة الوسطية والاعتدال، وما يدعوه آخرون بالذبذبة وعدم الوضوح … !!
فما هو بالضبط ؟؟
إنه برأيي حالة من التوازن الذاتي والنفسي ، والتمسك بالثوابت والقيم ، ورفض الانجرار الأعمى إلى طرف خوفاً من فقدان التوازن والسقوط في هاوية الانقياد والانصياع الذي تغذيه الأحقاد والمصالح الشخصية الضيقة والرؤية الأحادية الجانب .. التي تعتبر نفسها الصح المطلق والطرف الآخر هو الشر المطلق، رافضة الاعتراف بأخطائها ومنزهة جماعاتها ومواليها ومقدسة أفكارها .. فيختل توازن الشخص ويغوص في جماعته مقدماً لها ولاءاً مطلقاً وطاعة عمياء رافضاً كل ما يخالفها ومخوّناً كل من ينتقدها … !! وما يمكن تسميته بعبارة أخرى (القطيع) أي الانقياد.
هذه هي بصراحة مشكلة البلدان التي تقوم على العشائرية والقبائلية والطائفية .. فتتكتل التجمعات على أسس الانتماءات المحدودة الضيقة القائمة على العواطف، وليس على التحليل المنطقي والعقل  .. لنكون أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب … لتحارب بدورها كل ما من شأنه أن ينتقد تعصبها الأعمى ويطالبها بالانفتاح والرؤية من كل الجوانب ، وعدم شيطنة الطرف الآخر والاعتراف بالأخطاء وتصححيها … لذلك تطلق على كل من يحاول أن  ينتقد أخطاءها، ويضيء على حسنات الطرف الآخر: بالمتذبذب أو الخائن و العميل …
بينما حقيقة وجود هذا الخط من التوازن والوسطية والاعتدال ، هو صمام الأمان وصلة الوصل بين الأطراف المتعادية المتصارعة، لأنه يملك تحليلاً منطقياً بعيداً عن العواطف والمحسوبيات والولاءات .. وهو القادر على لعب دور لإحلال السلام وعقد الصلح ..
هذا الدور الصعب والمغيب حالياً على ساحات الصراع العربية، والتي اشتد فيها العنف، وتنامى الحقد، واستعرت النزعات القبلية والعشائرية والطائفية .. ويتم تغييبه عمداً ممن لا يريد للصراع حلاً وللعنف توقفاً وللسلام إحلالاً .. فتتم محاربته بكل الوسائل الإعلامية والتجييش والتحريض المرضي .. ليكون هذا المعتدل أو الوسطي هو كلاعب السيرك السائر على حافة الموت .. ولكن يملك هدفاً ونظراً ثاقباً.. كلما كانت خطواته ثابتة ، ولم يلتفت للجمهور المترقب في الأسفل ، ولم يعطي أذناً لهم وبقي مركزاً على هدفه .. كلما وصل بسلام ونال تصفيق الجمهور واحترامه رغم كل المخاطر التي اعترضت طريقه وحاولت ثنيه عن هدفه بالسلام … !!

08.01.2014

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى