تاريخ الوقف الإسلامي : غرائب جميلة يكشفها برنامج تلفزيوني !

 

خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

تثير مسألة ( الوقف) في العديد من البلدان العربية إشكالات خطيرة نظراً لانتشار فكرة مؤداها أن دور مؤسسات محصور في الدعوة الدينية والإشراف عليها وتوجيهها، وبالتالي، فإن هذه المؤسسات تقع دائما في دائرة الانتقاد، وخاصة مع تصاعد الكراهية والخوف والحذر من الحركات الدينية المتطرفة التي أعطت أبشع الصور عن الدين الإسلامي في ممارسات جبهتي النصرة وداعش.

لقد غاب الدور الأساسي الذي نشأت على أساسه مؤسسات الوقف، وباعتبار أن الجهات المعنية بإدارة الوقف تجهل هذه النقطة، أو تتعامى عن أهمية توعية المجتمع بدورها، فهي إذن لا تُرضي بأدائها الشرائح الشبابية والمثقفة في المجتمع، وهذا ما أوقعها في دائرة النقد والتشكيك التي تتسع، وتتهمها بالتخلف..

وفي السنتين الأخيرتين، دفعت الضجة التي شهدتها مواقع التواصل وصفحات الفيس البوك الموضوع إلى الصدارة، في أكثر من بلد عربي، وظهر في هذه الضجة، أن المجتمع لا يعرف معنى الوقف، ويخاف من مؤسساته، وأن ثمة قطيعة كبرى بين هذه المؤسسات والإعلام!

ماهو الوقف ؟!

نسبة كبيرة من الأجيال الجديدة، لاتعرف معنى الوقف الديني، بل ولا تتضح الصورة أمامها بأن هناك وقفاً إسلاميا وآخر مسيحياً ، ,ان الوقف هو تبرعات هائلة تقدم للمجتمع، وأخطر الظواهر أن المجتمع يجهل تماما هذا الدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه الوقف في ظل إنشغال الدولة بحروب أو أزمات تتردى فيها أحوال الناس!

وقد درس كثير من الباحثين هذا الموضوع، وأشادوا بالدور الاجتماعي للوقف فهو “يعد معلماً بارزاً من معالم التشريع الإسلامي الخالد، ودليلاً قائماً على حيويته وسعته، يُثبت -شأنه شأن أنظمة الإسلام الأخرى- اهتمام هذا الدين بالمصالح المشتركة للبشر، وسعيه إلى تحقيق هذه المصالح عن طريق أحكام عملية واقعية، يسعد بها الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم بل وأديانهم.”

وهذا الاقتباس عن دراسة للدكتور آدم نوح معابدة في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية  في جامعة اليرموك، يجعلنا أمام ضرورة لإيضاح مسألة على غاية الأهمية تثقوم على نقطتين هما :

ــ أن الوقف هو عمل اجتماعي تعاوني تطوعي هادف إلى مساعدة المواطنين على مواجهة ظروف العيش، إضافة إلى العلاقة الطبيعية للوقف مع دور العبادة والصرف عليها.

ــ أن الوقف لايمكن أن يكون عامل تفرقة اجتماعية، لأن هدفه إنساني، وكما يقول الدكتور معايدة، “أن إحياء ثقافة الوقف وتعميمها بين المسلمين وغير المسلمين محلياً ودولياً يسهم في تعزيز روابط التعاون الإنساني المشترك، شريطة انضباطها بالأحكام الشرعية التي تحفظ لهذا التعاون توازنه واستمراره”

وهذا يحظر على الوقف لعب أي دور سلبي في المجتمع.

وفي برنامج تلفزيوني عرضته قناة (نور الشام) السورية، تحت عنوان (جلسة الصفا)، عرض تاريخي جميل للنماذج الذي عرفها (الوقف الإسلامي) في سورية وبعض الأقطار العربية، وكان معد البرنامج ومقدمه الأستاذ محمد نعيم عرقسوسي يركز على مسألتين :

الأولى ، الدور الاجتماعي في إسعاد الناس وتقديم العون لهم.

الثانية ، عدم التفرق بين الأديان والطوائف والاثنيات في تعميم الخير على الناس.

ومن النماذج الذي ذكرها الأستاذ عرقسوسي:

  • وقف المدارس، وذكر منها وقفا خاصاً للمعلم والمتعلم ، وكان ذلك في مدينة الموصل العراقية، وفي هذا الوقف خزانة كتب من جميع العلوم تقدم خدماتها مجانا لكل طالب علم ، ولايمنع أحد من دخولها!
  • وقف المشافي، وذكر منها البيمارستان المنصوري، عام 682 للهجرة ، وهو لعلاج جميع الناس.
  • وقف الأعراس، وهو وقف خاص يمكن من خلاله إعارة الحلي والزينة في الأفراح، ويستفيد منه الفقراء في أعراسهم .
  • وقف مواساة المريض وعلاجه، وهو من أجمل وأرقى أنواع الوقف، ويورد العرقسوسي تفصيلا من عمل هذا الوقف، حيث يتم تكليف ممرضين اثنين لمواساة المريض، ويجلسان بعيدا عنه، بحيث يسمعهما ولايراهما، فيقول الأول للثاني : إن المريض الفلاني حالته مطمئنة وتتحسن، ويمكنه ببساطة أن يتغلب على المرض. وهكذا يسمع المريض همسهما ويستمد منهما القوة على مواجهة المرض.
  • وقف الأواني أو الزبادي، وهو نوع من الوقف الطريف، حيث يلجأ كل خادم كسرت الأواني التي يستخدمها لسيده إلى هذا الوقف، فيسلم الأواني المحطمة ويأخذ بدلا منها أواني سليمة ، وذلك كي ينجو من تأنيب سيده!
  • وقف لرعاية النساء المطلقات ..
  • وقف للأرامل .
  • وقف للأيتام، ففي مصر كان هناك امرأة اسمها (جليلة طوسون)، خصصت 130 فداناً كوقف يصرف ريعه للفتيات اليتيمات ، واشترطت فيه : تعليم الفتيات القراءة والكتابة وفنون الخياطة والتطريز وصولا إلى الأغاني والأناشيد .
  • هناك أوقاف خاصة لوفاء ديون الغرماء المعسرين المسجونين بسبب دين عليهم، وتسمى وثيقة هذا الوقف وثيقة خلاص المسجونين !
  • هناك وقف لإنارة الطرقات المظلمة، كما في مدينة فاس في المغرب .
  • هناك أوقاف لحفر آبار الماء وإيصالها للناس.
  • وفي دمشق قام صلاح الدين الأيوبي بإقامة وقف تاريخي شهد له فيه المؤرخون، وهو بناء (ميزاب) يسيل منه الحليب، وآخر يسيل منه الماء المحلى بالسكر، فتأتي إليه الأمهات ليأخذن منه مايحتجن لأطفالهن ، والوقف مفتوح لأي إنسان بغض النظر عن عقيدته أو دينه ..

ويؤكد الأستاذ عرقسوسي أن كل أنواع الوقف كانت تهدف للنفع العام أي : الإنسان بغض النظر عن دينه ومعتقده !

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى