في الذكري 51 لحرب قد تتكرّر: 1967 هل كانت نكسة أم هزيمة؟

في مثل هذه الأيام قبل 51 عاماً وقعت حرب دامية أفقدت العرب الأرض والبشر والدور، وهُزِم عبد الناصر.. ذلك الزعيم الاستثنائي في تاريخ العرب، بعد مسيرة حافلة من العطاء القومي والثوري الذي هزّ العالم في الخمسينات والستينات من القرن الماضي وغيّر من خرائطه، تآمرت على (الزعيم) قوى الغدر وما أسماه هو آنذاك بـ(الرجعية العربية) و(الامبريالية العالمية)، لتدفعه إلى الانزواء والموت البطيء على المستوي الشخصي (حين أصابه المرض ومات بعد تلك الهزيمة بثلاث سنوات) وعلى المستوى الحركي القومي حين تراجع دور مصر وتقدّمت أدوار دول المشيخات والممالك الوراثية التي لعبت ولاتزال -حتى اليوم 2018 – أدوار الخيانة والرجعية العربية المتآمرة.

يومها حاول بعض كبار الإعلاميين قيل منهم الراحل محمّد حسنين هيكل، التقليل النفسي من فعل الهزيمة.. فأسموها.. (نكسة) وهو لفظ أقل بكثير مما جرى على الأرض من هزيمة مؤلمة والتي ثبت لاحقاً – وبالوثائق – أن عبد الناصر لم يكن المسؤول الوحيد عنها وأن ثمة مسؤولين عسكريين (عبد الحكيم عامر وشركائه) الذين علموا بموعد الحرب من عبد الناصر نفسه ومن أجهزة مخابراته وقبل ضربات الطيران الإسرائيلي بعدة أيام، لكنهم (عامر وشركائه) لم يجهّزوا أنفسهم وجيشهم ومطاراتهم للحرب. بل كانوا مشغولين بثنائية السلطة وباللهو والإفساد الأخلاقي منهم بالدور الوطني والقومي لبلادهم وجيشها العظيم!

وكانت هناك أيضاً المؤامرة الدولية والخليجية ضده والتي كشفتها الوثائق الجديدة التي خرجت من أميركا وإسرائيل قبل عدّة شهور، لتؤكد تعدّد أسباب الهزيمة والتي بالتأكيد ورغم وجود المؤامرة. إلا أنها لا تعفيه من المسؤولية، ولا تجعلنا نؤمن بأنها كانت نكسة بل كانت هزيمة في معركة غير متكأفئة. سرعان ما استعد لها جيش عبد الناصر برجاله العظام وقتها (الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض .. وإبراهيم الرفاعي _ والفريق محمّد فوزي .. وغيرهم ) ليثأروا بعدها سريعاً في حرب الاستنزاف (1968-1970) ثم في حرب 1973

على أية حال، لكي نعرف حجم ونوعية ما جري في العام 1967 في مثل هذه الأيام وحتى لا تتكرّر في بلادنا العربية المبتلاة الآن بالإرهاب الداعشي؛ بحرب جديدة شبيهة بحرب 1967 علينا أن نوثّق ما جري باعتباره خسارة لمعركة وليس هزيمة في حرب، وأيضاً ليس مجرّد نكسة صغيرة كما حاول بعض إعلاميي النظام تصويرها آنذاك. يحدّثنا التاريخ أن الطلعات الجوية المباغتة للطيران الإسرائيلي في اليوم الأول لحرب 1967 وما خلّفته من تدمير لسلاح الطيران العربي حسمت المعركة، وأصبح بمقدور هذا الجيش – للأسف – تنفيذ مهامه العسكرية بسهولة وكانت الخسائر العسكرية والبشرية العربية مؤلمة للغاية حيث قتل من الجيوش العربية حوالى 25 ألف شهيد مقابل 800 قتيل إسرائيلي، أما جرحى الجيوش العربية فاقترب عددهم من 45 ألف جريح مقابل 2500 جريح إسرائيلي.. أما الأسرى العرب فوصل عددهم داخل السجون الإسرائيلية إلى حوالى 5 آلاف أسير استُخدِم بعضهم كفئران تجارب كما وثّقت ذلك تقارير المنظات الحقوقية، أما أسرى الجانب الإسرائيلي فلم يزيدوا عن 20 أسيراً.

ولم تتوقّف الخسائر عند هذا الحد وإنما أجبرت تلك الهزيمة التي مُنيَ بها العرب ما بين 300 و400 ألف عربي بالضفة الغربية وقطاع غزّة والمدن الواقعة على طول قناة السويس (بورسعيد والإسماعيلة والسويس) على الهجرة من ديارهم، وخلقت مشكلة لاجئين فلسطينيين جديدة تضاف إلى مشكلة اللاجئين الذين أُجبروا على ترك منازلهم عام 1948. كما أجبرت قرابة مائة ألف من أهالي الجولان على النزوح من ديارهم إلى داخل سوريا.

شملت النتائج أيضاً احتلال مساحات كبيرة من الأرض، الأمر الذي زاد من صعوبة استرجاعها حتى الآن كما هو الشأن في كل من فلسطين وسوريا، وحتى ما استُرجِع منها (سيناء) كانت استعادة منقوصة السيادة (كما أشرنا في دراسة سابقة لنا نشرت هنا تحت عنوان (في الذكرى الـ 40 لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية: لماذ لازلنا نطالب بإسقاطها).

على أية حال تقول الحقائق المرة أيضاً إنه بعد أن وضعت الحرب أوزارها كانت إسرائيل تحتل 61948 كم شبه جزيرة سيناء

1158 كم هضبة الجولان

بما فيها القدس الشرقية 5878

قطاع غزّة ما يعني أن إجمالي الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد حرب 1967 هي/ 363

كيلومتراً مربعاً الإجمالي 69347

وإذا قارناها بما استولت عليه عام 1948 وأقامت عليه دولتها (20700 كلم2) يتضّح أن هزيمة حزيران/ يونيو أضافت لإسرائيل ما يعادل ثلاثة أضعاف ونصف من مساحتها التي كانت عليها يوم الرابع من يونيو/حزيران 1967

هذه الأراضي التي أضيفت للكيان الصهيوني ساهمت ولا شك في تقوية وتحسين أوضاعه العسكرية والاقتصادية حيث بها ثروات مائية ونفطية وآثار تاريخية وغيرها، كل هذ يعني، في التحليل الأخير، إنها لم تكن مجرّد نكسة بل هزيمة ولكنها أيضاً.. كانت هزيمة مؤقتة سرعان ما تم الثأر لها وهو ثأر نحسبه لايزال قائماً ومطلوباً من كل قوى المقاومة العربية في فلسطين ولبنان ومصر وسوريا وغيرهم.

حتى لا نفاجأ بحرب 1967 جديدة سواء بواسطة إسرائيل أوعبر أدواتها من الجماعات التكفيرية الداعشية التي أدمت مصر في سيناء وأدمت سوريا على كامل جغرافيتها خلال السنوات السبع للربيع العربي الزائف تلك، ولعلّ أهم ما يتوجّب عمله سورياً ومصرياً حتى لا تتكرر هزيمة 1967 بأشكال وأدوات جديدة هو أن تلتقي إرادة الوحدة والتحالف بين دمشق والقاهرة مجدداً، بعيداً – وبالرغم من – الابتزاز الخليجي والأميركي والإسرائيلي. لماذا ؟ لأن العدو لايزال واحداً رغم تباعد الزمن ورغم الإرهاب المنتشر الآن في كلا البلدين ومن يقف خلفه من قوى إقليمية ودولية إلا أحد تجليات هذا العدو. وهو – أي الإرهاب – يخدم بالأساس على استراتيجية الكيان الصهيوني التاريخية تجاه مصر وسوريا عبر تمزيق وحدتهما وجيشيهما.

إننا وفي الذكرى الـ51 لحرب 1967 نعيد التأكيد على أن الأمن القومي المصري يبدأ كما قال أحدهم ذات يوم، من غوطة دمشق وليس من سيناء فحسب. كما أن أمن سوريا يبدأ من قاهرة المعز وليس من الجولان، تلك حقائق الجغرافيا ودرس التاريخ الممتد. لمَن يريد أن يفهم ويتّعظ.. والله أعلم.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى