تحوّلات سوريّة لها دلالاتها!

اقترح المبعوث الأمميّ في خطّته الأخيرة تشكيل مجموعة اتصال إقليميّة دوليّة تتوافق على أسس الحلّ في سوريا. في هذا السياق، يُمكن متابعة تحوّلات نوعيّة في طبيعة انخراط الدول المعنيّة بالصراع في سوريا. تتموضع جميع هذه التحوّلات في كيفيّة ربط الحلّ السياسيّ بمكافحة الإرهاب، وخاصّة «داعش» و «النصرة».

التحوّل النوعيّ الأساس هو دخول روسيا على المستوى العسكريّ بشكلٍ أبعد بكثير من توريد بعض الذخائر والمعدّات، بعدما طرح رئيسها فلاديمير بوتين أمام وزير الخارجيّة السوريّ «معجزة» إنشاء تحالف إقليميّ بين الأضداد المتصارعة في سوريا للقضاء على «داعش». تبع ذلك دعوة روسيا للولايات المتحدة لتنسيق الجهود العسكريّة (وبالتالي الأمنيّة) مع الولايات المتّحدة وتحالفها لهذا الغرض، في الوقت الذي نشرت فيه أميركا قوّات على الأرض في العراق تقاتل إلى جانب إيرانيين أو ميليشيات تدعمها إيران مباشرة. وواضحٌ أنّ هذا التحوّل النوعيّ من الدولتين الكبيرتين يرسم بداية آليّة على الأرض لقتال «داعش» بعد أن سادت القناعة بأنّ الجيش العراقي غير قادر على صدّ هذا التنظيم، حتّى مدعوماً بميليشيات «الحشد الشعبي». وتحوّل نوعيّ آخرّ تمثّل في توجّه فرنسا بانخراطها في التحالف الجويّ لقصف «داعش»، بعدما كانت ترفض أن تساهم في أيّ خطوة يُمكن أن تساعد، ولو بشكلٍ غير مباشر، في بقاء السلطة القائمة في سوريا.

بعض الدول الإقليميّة ليست مسرورة من هذه التحوّلات، خاصّة تركيا، التي يُمكن قراءة فتح حدودها البحريّة لتدفّق اللاجئين السوريين والعراقيين وغيرهم بشكلٍ كثيف، كخطوة للضغط على أوروبا، على قاعدة انزعاجها وحلفاءها من العائد على استثماراتها في الأزمتين العراقية والسورية المقبول أميركياً وروسياً، وكمحاولة أخيرة لفرض «المنطقة الآمنة». كما أنّ إيران باتت تتحوّل تدريجيّاً بعد تمرير الاتفاق النووي في الكونغرس الأميركي إلى وضعيّة أكثر تعاوناً مع الولايات المتحدة وأوروبا.

هذه التحوّلات كلّها تدفع إلى إعطاء أهميّة أكبر للشقّ العسكريّ والأمنيّ ومكافحة الإرهاب في التطوّرات المقبلة، في سوريا كما في العراق، على مستوى التحرّكات الدوليّة كما على الأرض. لكنّ هذا لا يعني تغييباً للشقّ السياسيّ. فقد ثبتت القناعة الدوليّة أنّ الدولة العراقية الحالية، بما فيها فرع كردستان العراق، غير قادرة على استرجاع المبادرة من «داعش» وعلى احتلال مكانها بعد هزيمتها، تلك «الدولة» المنظّمة عسكريّاً وأمنيّاً وخدماتيّاً وحيث لا ينتشر الفساد. وكذلك هو الأمر بالنسبة للدولة السوريّة، التي أنهكت السلطة فيها جيشها وقواها الأمنيّة في الصراع ضدّ الشعب. ولم يعد أحد يأخذ على محمل الجد مقولة أنّ «الائتلاف» المعارض والحكومة المؤقتة التي شكّلها يُمكن أن يكّونا نواة دولة قادرة على الحلول محلّ الدولة القائمة. ذلك حتّى من قبل الدول الراعية لهذين الجسمين.

إذاً ستتزامن التحوّلات والتطوّرات الحالية العسكريّة والأمنيّة الإقليميّة والدوليّة مع تحوّلات نوعيّة على الصعيد السياسي. وإلاّ… ما الذي يُمكن أن يحلّ مؤسساتياً مكان «داعش»؟

هنا اللافت للانتباه على الصعيد السوريّ هو تحوّل جزء كبير من فصائل المعارضة المقاتلة نحو الخطاب السياسي، وبدء ظهور التباين بينها وبين جبهة «النصرة» المنضوية تحت لواء تنظيم «القاعدة». هذه التحوّلات ما زالت جنينيّة، ومعرّضة في أيّ لحظة لتأثيرات القوى الإقليميّة التي تحاول زيادة حصّتها في التحوّل الدولي الجديد. لكنّ هذه التحوّلات حتميّة. والنافذة المفتوحة للتعبير عنها تكمُن في اللجنة العسكريّة والأمنيّة التي يعمل المبعوث الأمميّ ستيفان دي ميستورا على تشكيلها.

إذ لا يُمكن القول بدعم الحلّ السياسيّ وفي الوقت ذاته رفض الانخراط في آليّة أمميّة ترعاه، خاصّة بعد أن اعتمدها توافقيّاً بيان رئاسيّ صادر من مجلس الأمن.

إنّ تحوّل الخطاب السياسيّ لدى المقاتلين، معارضة وموالاة، في منظور الحفاظ على سوريا موحّدة سيتطّلب وقتاً تتخلّله انفراجات تخلق بالضرورة أملاً إيجابيّاً بالمستقبل.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى