تحوّلات مهمّة مرتقبة في سوريا وإيران وإسرائيل (ناجي س. البستاني)

 

ناجي س. البستاني

يشهد العام 2013 الحالي العديد من التغييرات في أكثر من دولة مؤثرة إقليمياً، وفي طليعتها سوريا وإيران وإسرائيل، الأمر الذي من شأنه أن يترك تداعيات كبيرة على الوضع في لبنان والمنطقة ككل.

بالنسبة إلى سوريا،

آراء المحلّلين الغربيّين متناقضة جداً بشأنها، حيث يعتبر البعض أنّ مصلحة إسرائيل والدول الغربية التي تدعمها، تكمن في إستمرار المعارك لأطول فترة ممكنة، بشكل يُنهك الجيش السوري بشكل كامل، ويدمّر البنى التحتيّة السورية بشكل واسع، ويبقي القيادة السورية بعيدة تماماً عن التدخّل في أي ملفّ إقليمي.
في المقابل يرى محلّلون آخرون، أنّ الفاتورة الإنسانية الباهظة التي ترتفع بسرعة مع الأسف، وتزايد خطر سيطرة "المتشدّدين الإسلاميّين"،وخصوصاً الجماعات المصنّفة تابعة أو مؤيّدة لتنظيم القاعدة، سيُجبر في النهاية المجتمع الدولي على التدخّل بجدّية أكبر من السابق، لمحاولة تأمين تسوية مقبولة من قبل مختلف الأطراف المتصارعة، وتلك التي تدعمها.
وبين سباق إستمرار المعارك وفرص التسوية، تبقى فرضيّة أن يتمكّن أحد الأطراف من حسم الوضع عسكرياً. لكن حتى الساعة لا بوادر حاسمة في هذا الإتجاه في المستقبل القريب، حيث مضى قرابة السنتين من دون أن يتمكّن النظام ولا المعارضة، من إحداث تغيير ميداني جذريّ، على الرغم من كل الوعود والتهديدات.
وبالنسبة إلى تداعيات التطوّرات في سوريا فهي مفصليّة، إن بالنسبة إلى الساحة الداخلية اللبنانية أو بالنسبة إلى المنطقة عموماً، لأنّ إرتباط العديد من الأطراف داخل لبنان وفي الدول العربية والإقليمية بطرفي النزاع، كبير جداً.
وفي كل الأحوال، وفي إنتظار حصول تبدّل نوعي في الوضع القائم في سوريا، لا يمكن فصل هذا الوضع، عن نتائج القمّة المرتقبة في شباط المقبل، بين الرئيسين المجدد لهما، الأميركي باراك أوباما، والروسي فلاديمير بوتين. وبالطبع فإنّ الملف النووي الإيراني، والملف السوري، سيكونان في أعلى لائحة المواضيع المطروحة بين الطرفين، في ظلّ حرص أكيد لكلّ منهما على حماية مصالح دولته في الشرق الأوسط، بمجرّد طرح أي من المواضيع الشائكة إقليمياً.

بالنسبة إلى إيران،
فهي بدورها على موعد فاصل في منتصف شهر حزيران 2013، حيث سيتم إنتخاب خلف للرئيس محمود أحمدي نجّاد، الذي أمضى 8 سنوات في الحكم، ولا يحقّ له بالتالي الترشّح لدورة رئاسية ثالثة. ومن المتوقّع أن تشهد إيران توتّرات عشيّة الإنتخابات وبعدها، نتيجة الضغوط التي تمارس على قيادات التيار الإصلاحي منذ أن إعترضوا على نتائج إنتخابات العام 2009.
ويحرص التيّار المحافظ على إستمرار قبضته على منصب الرئاسة، في الوقت الذي يسعى التيّار الإصلاحي إلى التغيير، مستفيداً من الضغوط الدوليّة على إيران والتي أدّت إلى تدهور إقتصادي خطير، وإلى نقمة شعبيّة متزايدة. والمشاكل لا تقتصر على هذين الطرفين، بل تشمل التيّارات المختلفة ضمن المحافظين أنفسهم، نتيجة وجود صراع سلطة داخلي، وشخصيّات مقرّبة من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وشخصيات أخرى معارضة لسلطاته الواسعة.
وفي ما خصّ تعاطي الرئيس الإيراني المقبل مع الملف النووي الذي يضغط على إقتصاد إيران، فإنّه سيكون متّسماً بقدر كبير من المرونة، وبالقدرة على المناورة أيضاً، منعاً لتقديم أي حجج مجّانية لأي تدخّل عسكري غربي. في المقابل، سيحاول الرئيس الأميركي دفع إيران للتفاوض عبر الإبقاء على العقوبات الإقتصادية القاسية المنفّذة ضدها، بالتعاون مع الدول الأوروبيّة وغيرها. ومن شأن التطوّرات في إيران أن ترخي بثقلها على مجمل الوضع في المنطقة، ومنها لبنان وسوريا، خاصة وأنّ إيران هي الداعم الرئيس لحلفائها في كلّ من بيروت ودمشق. وبالتالي، إنّ أيّ تشدّد أو تراخي في السياسة الخارجية الإيرانية، أن يُترجم تبدلاً مهمّاً في الساحتين اللبنانية والسورية.

بالنسبة إلى إسرائيل،
فهي على موعد في الثاني والعشرين من كانون الثاني الحالي مع إنتخابات الدورة التاسعة عشرة من الكنيست، في ظلّ توقّعات بأنّ هذه الإنتخابات الجديدة لن تُسفر بالتأكيد – وبغض النظر عن النتائج، عن أي حكومة مستعدّة للتنازل عن الموضوعين الشائكين: القدس التي ترفض إسرائيل التخلّي عن إحتلالها ولو جزئياً لمصلحة إتفاق سلام، واللاجئين التي ترفض عودة أي قسم منهم، وتعمل في المقابل على رفع وتيرة بناء المستعمرات، لإحداث واقع ديمغرافي يستحيل تبديله في المستقبل.
كما أنّ ضعف رئيس السلطة الفلسطينية الحالي، محمود عبّاس، وضياع القيادة المصريّة برئاسة محمد مرسي بمشاكلها الداخلية المتفاقمة، والخلافات بين حركة حماس وداعميها الإقليميّين بسبب أحداث سوريا، كلّها مشاكل لا تصبّ في صالح القضيّة الفلسطينيّة على الإطلاق. من جهة أخرى، وبغض النظر عمّن سيصل إلى مركز القرار في إسرائيل، فإنّه لن يحظ بالتأكيد بأيّ "ضوء أخضر" أميركي للتحرّك ضد المنشآت النووية الإيرانية، بحجّة منع تحويلها من الإستخدام السلمي إلى الإستخدام العسكري، على الرغم من أنّ القيادة الإسرائيلية ستحاول ممارسة ضغط على الإدارة الأميركية في هذا الصدد. ويُنتظر أن تطلق الحكومة الإسرائيلية المقبلة يد السلطات المعنيّة بالشروع في التنقيب عن النفط والغاز، مع ما لهذا الموضوع من خطر على الأمن اللبناني، نتيجة تداخل حقول النفط والغاز تحت مياه البحر الأبيض المتوسّط، وعدم بتّ خارطة الثروة الطبيعية الموزّعة بين كل من لبنان وإسرائيل وقبرص.
في الختام، يتردّد أنّ سنة 2013، ستكون سنة التفاوض بين أكثر من طرف وجهة، وعلى أكثر من ملفّ وقضيّة. وعادة وبهدف تحسين الشروط التفاوضيّة بين الأطراف المعنيّة، يتم تسخين الكثير من الملفّات أمنياً، وسياسياً، وإقتصادياً. وبالتالي، الهدوء والإستقرار والأمان… لن تكون ملازمة لمجريات هذا العام، للأسف الشديد.

موقع الالكترونية اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى