تدخلات أردوغان الخارجية تثير سخط الأتراك
يتجه الشارع التركي عاجلا أم آجلا وأكثر من أي وقت مضى وفقا للتوقعات، نحو ثورة شعبية أو انتفاضة ضد سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يواصل استنزاف ميزانية الدولة للإنفاق على تدخلاته العسكرية ومغامراته التي أغرقت تركيا في أزمات متناثرة عمقت عزلة البلد الذي يقع على شفا انهيار اقتصادي حاد.
وفي السنوات القليلة الماضية تفاقمت معدلات البطالة والتضخم وانتشر الفقر على نحو لا مثيل له وسط انهيار الليرة إلى أدنى مستوى وتندي قيمتها الشرائية بالأسواق العالمية مقابل الدولار واليورو، ما عمق معاناة الأتراك.
وتزامنا مع انتشار فيروس كورونا وتداعياته، تواجه تركيا راهنا أسوأ ازمة اقتصادية بسبب استنزاف أردوغان لموارد الدولة في تمويل تدخلاته العسكرية الخارجية في كل من سوريا وليبيا وفي شرق المتوسط وفي شمال العراق، فيما فتح جبهة أخرى بإعلان عزمه التدخل دعما لأذربيجان في صراعها مع أرمينيا، كما يحاول أن يضع قدم له في حرب اليمن.
ويفترض في الوضع الذي تعيشه تركيا التي تراجعت إيراداتها في قطاع حيوية كالصناعات التحويلية والنسيج وغيرها، إضافة لقطاع السياحة، أن يلتفت أردوغان لأزمات بلاده الداخلية، بدل إقحامها في أكثر من حرب وتصعيده على أكثر من جبهة، فخسر الشركاء التقليديين من الخليج إلى أوروبا واستنزف موازنة البلاد في حروب مدفوعة بأطماع استعمارية وبحثا عن مجد خلا للإمبراطورية العثمانية ولتحقيق طموحات شخصية وتنفيذ أجندة التمكين لجماعات الاسلام السياسي.
ويشهد حزب العدالة والتنمية تآكلا في شعبيته في ظل استمرار نزيف الاستقالات التي تستفيد منها أحزاب المعارضة الجديدة، فيما يواجه الحزب الحاكم الذي يعيش منذ نحو سنتين على وقع انشقاقات في صفوف أبرز مؤسسيه وقياداته رفضا لسياسات الحزب التي لا تتماشى مع احتياجات تركيا اقتصاديا وأمنيا وسياسيا، على شبح الخسارة والانتكاسة في الانتخابات القادمة.
وتشير التقلبات السياسية والأزمات الاقتصادية المتناثرة التي تعيشها تركيا في السنوات القليلة الماضية تحت إدارة أردوغان، إلى تراجع شعبيته بين الأتراك وارتفاع موجه الانتقادات الموجهة إليه بسبب سياساته الفاشلة في إدارة البلاد.
ومن المنطقي أن تخلق كل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيش تركيا في زمن أردوغان حالة من الاستياء والغضب بين المجتمع التركي الذي من المرجح أن يحمل مسؤولية ذلك إلى النظام، مما أدى إلى تراجع شعبية قياداته ويرجح انتفاضة الأتراك في وجه أردوغان، فيما يبدو أن الشارع التركي بات ضائقا من سياساته التي جلبت لتركيا أزمة تلو الأخرى.
ويذكر أن أردوغان خسر في الانتخابات البلدية لعام 2019 أبرز معاقله في أنقرة واسطنبول، ما يعكس تراجع شعبية أردوغان في أول اختبار حقيقي يسبق الانتخابات البرلمانية.
ويعيد هذا التحليل إلى الأذهان تغير اتجاهات الناخبين أثناء اقتراب مواعيد التصويت طبقا لحاجتهم إلى شخصيات أكثر قدرة على قيادة الدولة في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعيشها واللجوء إليهم لتجاوز هذه العقبات، وهو ما يرجح أن يتوجه الناخبون الأتراك نحو أداء تصويت عقابي للحزب الحاكم الطين يحملونه مسؤولية تراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها بلادهم.
يفترض في وضع تركيا المتأزم أن يلملم أردوغان أزمات بلاده المتناثرة بدل إنفاقه على التدخلات العسكرية الخارجية
وانتهج الرئيس التركي الاستثمار في الحروب وعينه على ثروات المنطقة، بهدف إنقاذ اقتصاده المنهار وتأمين دعائم حزبه وثبيت حكمه وإلهاء من تبقى من قادة الجيش في حروب جديدة وإغراق بلاده في مقامرات عسكرية لا طائلة لها واستجلاب عداءات مجانية لطالما كانت تركيا في غنا عنها خصوصا تجاه دولا أوروبية كانت حليفة.
لكن تعنت أردوغان واستمراره في تحدي المجتمع الدولي الرافض لتدخلاته العسكرية في سوريا وليبيا والمندد بانتهاكه لسيادة العراق وتجاوزاته المتكررة في مياه المتوسط وتصعيده تجاه أثينا، يعد مقامرة قد تأتي على تركيا بوابل من الانعكاسات والأزمات التي لا يحمد عقباها، خاصة وأن طبول الحرب باتت هذه الأيام تقرع بشدة في شرق المتوسط مع اليونان.
وما لا يعيه أردوغان اليوم أن حربه القادمة لن تكون مع دول منهكة عسكريا واقتصاديا بفعل الاضطرابات الداخلية مثل سويرا وليبيا، كما اعتاد من قبل، وإنما مع اليونان كقوة عسكرية مدعومة من قبل العديد من دول الاتحاد الأوروبي وفي مُقدّمتها فرنسا.
وفي أحدث المؤشرات الصادرة عن البنك المركزي التركي بلغت ديون تركيا الخارجية نحو 170 مليار دولار بحسب، وهي ديون قياسية في ظل أزمة مالية تواجهها أنقرة.
وعزا خبراء اقتصاديون أتراك ارتفاع ديون البلاد دخلات أردوغان في السياسة النقدية، حيث أقحم نفسه أيضا في معركة خفض نسبة الفائدة وعزا نسبة التضخم وارتفاع معدل البطالة وتقلص النمو لنسبة الفائدة المرتفعة وهي تحليل يناقض القواعد العلمية للاقتصاد.
وشن حملة تصفيات سياسية ضد الكوادر والكفاءات بالبنك المركزي ممن عارضوا تدخله في السياسة النقدية، ما أربك القطاع النقدي مسببا له مشاكل متناثرة.
كما تسببت تصريحات أردوغان العدائية واستفزازاته لدول أوروبية في ملف المهاجرين والتنقيب عن النفط في مياه المتوسط، في نفور المستثمرين الأجانب، ما ساهم في انهيار الليرة إلى مستويات غير معهودة.
وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض كمال كيليتشدار أوغلو إن الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تمر بها بلاده، نتجت بسبب سياسات الرئيس أردوغان المستنزفة لموارد الدولة في تمويل تدخلاته العسكرية الخارجية.
واتهم زعيم المعارضة التركية أردوغان بإهلاك السياسة الخارجية، مشيرا إلى أن استقلال الاقتصاد التركي مهدد بسبب التحالف مع قطر، مشددا على ضرورة تغيير دستور البلاد للتخلص من سطوة أردوغان وسياساته المنهكة للبلاد.
ورغم أن المؤشرات الاقتصادية في تركيا دقت ناقوس الخطر إلا أن أردوغان يستمر في توسيع استثماراته العسكرية الخارجية الممتدة إلى قطر والسودان والصومال وأفغانستان وأذربيجان وقبرص والبلقان، فضلا عن الدول التي سلف ذكرها.
وأمام كل هذا لم يبقى لتركيا أملا في التخلص من سطوة أردوغان ونظامه، سوى الشارع التركي الذي باستطاعته تحرير بلاده من الخضوع التام له، خصوصا وأن الجيش بات خاضعا تماما لسيطرة الرئيس التركي بعد اعتقال وإقالة عشرات الآلاف من الجنود وكبار الضباط بذريعة المشاركة في الانقلاب الفاشل عام 2016.
وهي اعتقالات قللت من احتمال حدوث انقلاب عسكري يطيح بأردوغان، لكن احتمالية حدوث انتفاضة شعبية ضده واردة جدا رغم ممارسات القمع الممنهج ضد شرائح المجتمع التركي.