ترامب والحزب الجمهوري والشرق الأوسط
يظن البعض أنّ فهم سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم في ظل إدارة دونالد ترامب هو نوع من التنجيم أو ما يشبه توقعات الفلكيين، إلا أن الواقع هو غير ذلك.
صحيح أن الرئيس ترامب له أسلوبه الخاص والغريب في الإدارة، وهو مختلف تماماً عن سابقيه، الجمهوريين منهم والديمقراطيين، إلا أن الدور المنوط بالرئيس لا يمكن أن يغيّر بشكل جذري ما تريده دوائر القرار في المؤسسة الأميركية والحزب الحاكم بحسب نتيجة الانتخابات.
فترامب، بعد أقل من سنة على توليه سدة الرئاسة، قام مضطراً بتغيير أغلبية فريقه الأساسي، وأبدله بفريق من المحافظين داخل الحزب الجمهوري، الذي لم يكن راضياً عنه منذ بداية الحملة الانتخابية ولا يريده أصلاً مرشحاً عن الحزب، إلا أن الرئيس رضخ تحت ضغط التهديد بفتح مجموعة من ملفاته، وعلى رأسها دور موسكو في الانتخابات الرئاسية، ودخل تحت مظلة الحزب.
جنون ترامب ليس هو الحاكم في واشنطن إنما هو شكل أو نمط جديد ولكنه مكرّر عن فترة حكم بوش الابن «الغبي» بحسب تعبير ترامب. وبين الجنون والغباء فرق في الشكل ولكنه لن يغيّر شيئاً في سياسة دوائر القرار في الحزب الجمهوري.
ما حدث فجر يوم السبت في الرابع عشر من نيسان 2018 من قصف على بعض المناطق في سوريا يؤكد أن ما يريده ترامب لا يمكن أن يتحقق إذا كانت المؤسسة غير راغبة بتنفيذه، أو أقله غير مقتنعة بتنفيذه وفق رؤيته، فكانت ضربة تغطي كلام الرئيس بالشكل ولكنها بالفعل هي لإنزاله عن الشجرة التي وضع نفسه عليها. وفي المقابل تحقّق هدف «البنتاغون» باستمرار الدور العسكري في سوريا لحين وجود ظروف مناسبة لسحبه، بخلاف موقف ترامب الذي يؤكد ضرورة الخروج «فوراً»، بغض النظر إن كان موقفه للمناورة على دول الخليج أم أن ذلك هو رأيه الفعلي المرتبط بأمور أخرى.
فسياسة واشنطن في الشرق الأوسط، كما خارجه، ليست ارتجالية، إنما منطلقة من قواعد يعبّر عنها الحزب الجمهوري بوضوح، وهي: حماية إسرائيل واستمرار تدفق النفط، وبالتالي حماية الأنظمة التي تؤمّن الأمرين. وما أضافه ترامب على ذلك فقط هو جرأته في استحلاب الأنظمة الخليجية بهذه الوقاحة لتقوية خططه ومشاريعه الاقتصادية، وهو أمر لا يعترض عليه الحزب الجمهوري حالياً، ولكنه يبقيه تحت المراقبة خوفاً من أن يؤدي التمادي فيه إلى انهيار هذه الدول، وبالتالي خسارة واشنطن لجزء كبير من نفوذها في المنطقة.
فجموح ترامب هو دائماً تحت مراقبة الحزب ولا يمكن له أن يتمادى فيه بشكل كبير، وبالتالي فإن سياسة واشنطن يمكن فهمها رغم كل الضوضاء والغبار الذي يثيره هذا الرئيس.
يفهم رئيس وزراء كيان العدو تماماً كيف تفكر الإدارة الأميركية الجديدة تجاه كيانه لا سيما في ما يتعلق بحمايته، فهو يسعى لتوريط واشنطن بحرب مع إيران أقله لإبعادها عن حدوده، مستفيداً من تمايز الحزب الجمهوري والإدارة المحافظة عن تلك التي سبقتها في ظل إدارة باراك أوباما التي أبرمت اتفاقاً نووياً مع إيران، ولم يستطع نتنياهو حينها أن يستدرجها لأي حرب معها. لذلك هو يجهد لاستدراج إيران إلى حرب لا يمكن لواشنطن أن تبقى فيها مكتوفة الأيدي، مستفيداً أيضاً من دعم سعودي مطلق لهذه السياسة.
فهل تنجرّ واشنطن إلى حرب لم تقررها هي؟
إن العداء الذي تكنّه إدارة الرئيس ترامب لإيران ليس فقط بسبب وقوفها عائقاً أساسياً وحجر عثرة أمام تنفيذ مشاريعها في الشرق الأوسط، إنما أيضاً لأن سياسة العداء تزيد من فرص التسلح في المنطقة ودخول المال الخليجي أكثر فأكثر إلى الخزينة الأميركية. فواشنطن لا تسعى لضرب إيران نفسها، إنما نفوذها في المنطقة، وهي ولو كانت قادرة على القيام بذلك لما تأخرت يوماً واحداً عنه، ولكنها تعلم أن الحرب مع إيران أو حلفائها ستؤدي إلى اشتعال المنطقة بشكل يهدد تدفق النفط أولاً، ويعرّض الأنظمة الخليجية وإسرائيل للخطر على حد سواء، عدا عن تهديده للوجود الأميركي في المنطقة. لذلك تفضّل الإدارة الأميركية الركون إلى وسائل أخرى أهمها إلغاء الاتفاق النووي وإدخال وقف إنتاج الصواريخ البالستية كبند أساسي في أي مفاوضات مقبلة، بالإضافة إلى زيادة الحصار الاقتصادي وإبقاء الحروب مشتعلة داخل المنطقة من دون تدخل مباشر منها.
إن ما يؤكد ذلك هو أن الضربة التي قام بها الطيران الإسرائيلي على مطار T4، والذي سبق الضربة الأميركية على سوريا، كانت بهدف توريط واشنطن لضرب المواقع الإيرانية داخل سوريا كما مواقع حزب الله، إلا أن الصدمة الإسرائيلية كانت بعدم اكتراث واشنطن للأمر.
ليست إسرائيل ولا مال الخليج هو الذي يدير السياسة الأميركية إنما مصالح واشنطن الاقتصادية والتوسعية في العالم.
ولكن ماذا لو ورطّت إسرائيل واشنطن بحرب مع إيران؟
تستعجل واشنطن سحب قواتها مقابل إرسال قوة عربية بديلة الى المنطقة كي لا تكون طرفاً في أي حرب مقبلة، فالمشكلة لدى الأميركي حينها تكون أخف ما دام أن جنوده خارج الميدان. ولكن، ماذا لو قامت إيران بالرد على إسرائيل قبل انسحاب القوات الأميركية؟ هنا ستكون إسرائيل مضطرة للسكوت رغم كل الحملة الترويجية داخل الكيان التي تهيئ الناس فيها لحرب كهذه، فالقرار بالحرب هو في يد واشنطن، وهي لا ترغب فيها حالياً رغم كل التعبئة والتوتر الذي يسود المنطقة.
تعودنا في زمن ترامب أن تصل تهديداته إلى مرحلة تشعرنا أن لا رجعة عنها، وفجأة كأن شيئاً لم يكن، لتعود وتفتح الملفات عند الحاجة، كوريا الشمالية مثالاً. هذا هو أسلوب الرجل الذي يعتمد على الضوضاء والصخب ليحقق مراده، فهل يورّط الإدارة الأميركية، خلال ما تبقى من ولايته، بما لا تستطيع تحمله أم تبقى المؤسسة الأميركية هي الضابطة؟
هذا ما يُترك للوقت لمعرفته.