تركيا: من سوريا إلى مصر (د. محمد نور الدين)

د. محمد نور الدين

دعا وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في اجتماع مراكش لـ "أصدقاء سوريا"  إلى تحديد مهلة زمنية للتحرك لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ورغم كل العداء للدول الأخرى مع الأسد فإن تركيا تبدو الأكثر إصرارا على الإطاحة بالنظام تبعا للرهانات التي سعت لها ولم تتحقق حتى الآن.
ولقد أسهمت عدة عوامل منها الجوار الجغرافي التركي لسوريا في اتخاذ مواقف متشددة من الأسد والعمل على تغيير نظامه.
لقد تعددت مواقف تركيا من الثورات العربية تبعا لمصالحها. ولكن عندما وصل الدور إلى سوريا كان الأمر مختلفا جدا. وقد أثار ذلك تطلعات تسعى إليها تركيا ومن أهمها أنها تريد أن تكون رأسا لنظام شرق أوسطي جديد ترسم ملامحه بنفسها وهو ما يعني التفرد بقيادة اللعبة الجديدة بعيدا عن أي شراكة من القوى الإقليمية المؤثرة. ولقد لعب العامل الإيديولوجي دورا كبيرا في تزخيم السعي التركي لإسقاط الأسد على اعتبار أنه يفتح على إضعاف كل المحور الذي ينتمي إليه. وقد أسهم ذلك في تغيير التوازن التركي تجاه دول المنطقة وأن تأخذ دور الطرف في الصراعات الداخلية بعدما كانت تنأى بنفسها عن هذا الدور على امتداد العقود الماضية. وبقدر ما ترتفع الجرعة الأيديولوجية بقدر ما كانت تتفاقم أسباب المشكلات في المنطقة.
الانتماء التركي لحلف شمال الأطلسي يلعب دورا في الاندفاع التركي كلما كان القرار الغربي يقترب من العمل على إسقاط النظام بالقوة العسكرية المباشرة. لكن هذا لم يحدث حتى الآن حيث يفضل الحلف أن تقوم دول أخرى به مثل تركيا والأردن المجاورتين لسوريا.
إن المأزق الذي تشعر به تركيا والذي يجعلها الأكثر إلحاحا على المطالبة بخطوات عملية لإسقاط النظام هو أنه كلما طالت الأزمة في سوريا كانت تركيا عرضة لمزيد من الأخطار ومن اهتزاز الصورة.
إن اعتبار تركيا منتصرة في الملف السوري مرتبط بثلاثة شروط: إسقاط النظام، وحلول نظام للإخوان المسلمين غلبة فيه، وبقاء سوريا موحدة.
إن أي خيار آخر أي بقاء النظام قويا أو ضعيفا أو عدم إمساك الإخوان المسلمين بالسلطة كما يجب أو حدوث فوضى أو تقسيم البلد، كلها أسباب ستجعل من تركيا خاسرة في الملف السوري.
وفي بعد آخر إقليمي فإن التصدعات التي تواجهها سلطة الإخوان المسلمين في مصر تجعل من تركيا خاسرة. إذ إن تركيا تعتبر أن وصول الإخوان إلى السلطة في مصر وتونس وغيرهما هو انتصار لنموذجها. غير أن ما تواجهه سلطة الإخوان في مصر من تحديات سيجعل حكم الإخوان ضعيفا حيث إن النصف الآخر من الشعب المصري ليس فقط معارضا بل قد نزل إلى الميدان. كذلك فإن محاولة الإخوان مركزة السلطة في يدهم يجعل من كلام داود أوغلو عن "محور ديمقراطي" مع مصر لا معنى له.
كما أن استعادة مصر لدورها الفعلي سيكون على حساب الدور التركي وقد تجلى ذلك في حرب غزة الأخيرة حيث تراجع الدور التركي إلى الصفوف الخلفية رغم أن الإخوان المسلمين ممثلين بالرئيس محمد مرسي هم الذين كانوا في الواجهة.
إن مصر لا يمكن حبس دورها في البوتقة الأيديولوجية مهما كانت قوية. فمصر تنتمي للمحيطين العربي والإفريقي. وهي على حدود إسرائيل وفلسطين، وتاريخها وثقافتها يسيران في خط لا يلتقي مع الجيوبوليتيك التركي الذي لا تشكل له القضية الفلسطينية أي تحد مباشر لأمنه القومي، لذلك فكلما لعبت مصر دورها تلاشى الدور التركي، وبالتالي فإن وصول الإخوان إلى السلطة في مصر، مشروطا باستعادة مصر لدورها، لا يعتبر على المدى المتوسط مكسبا لتركيا.
 ومن سوريا إلى مصر ترى أنقرة بنفسها أنه لا شيء مضمونا. ولعل ابتعادها عن سياسات متوازنة ووسيطة من أهم عوامل دخولها في نفق من الخيارات الوعرة التي حملت لها من المخاطر الكثيرة حتى قبل رسو التطورات في سوريا أو مصر على سكّة من الوضوح.

موقع بوابة الشرق الالكتروني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى