
ترددتُ كثيراً قبل أن أكتب هذه المادة، فأنا لست بصدد التشهير أو الإساءة لأي فنان سوري سواء كان ذكراً أو أنثى، ومهمتي في الكتابة تحمل طابعاً نقدياً واجتماعياً وثقافياً، ولا أنتمي في هذا السياق، إلى الصحافة الصفراء التي تسعى إلى التشهير، ولكن الحديث عن استخدام الجسد في صناعة الدراما السورية شغلني منذ كان مشكلة رقابية قبل أكثر من ثلاثة عقود ، فقد كانت مداخل دور السينما تغص بالصور المثيرة للفنانات وقد كتب عليها بختم رسمي : يسمح بعرضها. أي كان من السهل حل المشكلة الرقابية بعدة طرق من بينها: التغاضي أحياناً، أو الحذف أو المنع أحياناً أخرى.
في الآونة الأخيرة، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد الرقابة مشكلة، لا مع الصورة ولا مع الكلمة، ولم تعد المحطات والدول تحاصر الدراما بقائمة ممنوعات طويلة، بل نشأ نوع من التفاهم في سوق الإنتاج الدرامي بين المنتج والعارض تقوم معادلته على التفاهم وانتهى الأمر .
المشكلة الآن أبعد من ذلك وأخطر بكثير لأن بعض الفنانات يستخدمن أجسادهن في الترويج لهن في وسائل التواصل لتحقيق (ترند) غير آبهين بالرقابة لأن لا رقابة في الفضاء الأزرق، ولا بالممنوعات لأن المجال متاح لأي شيء ماعدا الحديث عن فلسطين وغدر الصهيونية.. وهذا النوع من الترويج (الترند) يؤدي في النهاية إلى ارتفاع أجور الفنانة وفتح آفاق عمل لها غير محدودة، إلى الدرجة التي ظهرت فيها اتهامات من فنانين كبار لفنانات معروفات تسببت في رفع دعاوى قضائية.
ورغم وقاحة الفكرة، تقوم المواقع الإلكترونية والمنصات الرقمية باستخدام عناوين فاضحة مثيرة، مرفقة بالصور التي تزودهم بها صاحبات العلاقة للإيقاع بالمتابع ليتفرج على هذا الجزء أو ذاك من جسد الفنانة، لتحقق هذه المواقع بدورها (ترند) خاص بها.
الدراما السينمائية العربية، وقعت سابقا بهذا الفخ، وكانت تستخدم الجسد على هذا النحو، ورغم أنها أسست لسمعة واسعة لها، فقد وصلت نتيجة هذا الاستخدام إلى انحدار إنتاجي حصدنا منه أفلام سخيفة وهشة أضرت بسمعة السينما .
لم يقدم لها هذا الأسلوب أي قفزة في المحتوى ولا في الشكل، في حين كانت القفزة في أفلام ومسلسلات أكبر وأكثر تحقيقا للنجاح عندما اتكأت على المحتوى الدراما والصناعة الجيدة، والشواهد كثيرة على ذلك .
ومن دون ذكر الأسماء، أريد التركيز على حقيقة ذات معنى في مسألة (الترند)، فهناك فنانة مبدعة وتنتمي إلى شعب يحمل قضية كبرى، وفي أعمالها الكثيرة ما يستدعي الثناء عليه، وأنا أعتقد أنها ليست بحاجة لكل هذا الصخب البصري حول جسدها الذي تستثمره وسائل التواصل على حساب الإثارة وإفساد الأخلاق، لكي تحصد نجاحا إضافياً، ولذلك لابد للنقد من يحملها مسؤولية هذه المغامرة.
الغريب أن هذا الوباء الأخلاقي ينتشر سريعاً بين الفنانات، وما أن تنجح الفنانة بدور يحترمه الجمهور، حتى تقع في الفخ نفسه، وتزج بصورها الفاضحة والمثيرة على وسائل التواصل، لتؤكد نجوميتها ، وكأن السمعة الفنية تحتاج إلى هذا النوع من الترويج.
وهنا أريد أن أصل إلى الطامة الكبرى، وهي أن الشركات المنتجة والمخرجين العاملين بها ، اندفعت لتبني مثل هذا النوع من النجومية، فتم رفع أجورهن، وتم اعتماد أسمائهن في سوق الإنتاج، وثمة فضائح لاينبغي الحديث عنها على هذا الصعيد (!!!) .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة