تصفية منظمة لشباب الصفحات الثورية في مصر: المتهم «ميليشيات خيرت الشاطر»! (وائل عبد الفتاح)

وائل عبد الفتاح

ـ1ـ
سيطاردون الرئيس إلى مقره الجديد.
التظاهرات اليوم إلى قصر القبة، حيث يدير محمد مرسي البلاد منذ ان تحول محيط قصر الاتحادية إلى ساحة حرب شوارع بين الثوار ضد «الإخوان» ومندوبهم في القصر، وبين تحالفات أمنية من قوات رسمية ومجموعات مدنية تلعب أدوارها أمام الكاميرات التي تبث الحرب على الهواء، لكن لا احد يفسر من ذلك الهابط من مدرعة الأمن.
المدرعات ستنتقل إذاً إلى قصر القبة، مقر الرئاسة أيام عبد الناصر، والقريب من مقر المخابرات، والذي سيتحول غالباً إلى ساحة جديدة، أو محيطا لجرائم غامضة ضد شباب الثوار ضد «الإخوان».
ومازال التحقيق في قتل محمد الجندي مسرحا كبيرا لحرب من نوع آخر لكشف حقيقة ما حدث للناشط المنتمي إلى «التيار الشعبي» و«حزب الدستور»، والذي اختفى في الثامن والعشرين من كانون الثاني الماضي، وقالت الأجهزة الأمنية انه قتل في حادث سيارة، فيما قالت عائلته وزملاء الميدان انه اختطف، وكان ضمن مجموعة كبيرة أقيمت لها حفلات تعذيب في معسكر الأمن المركزي في الجبل الأحمر (شرق القاهرة ).
الحقيقة لم تظهر بعد، والروايات الرسمية عن القتل بالسيارة لم تجب عن تساؤلات مهمة تفسر آثار التعذيب على جسد الجندي، أو عن الأشخاص المدنيين الذين اشتركوا في حفلات التعذيب و تراوح دورهم بين الإرشاد عن الناشطين المهمين (في حرب تصفية واضحة) وبين المشاركة في الحفلات.
الأجهزة الرسمية تمارس كل ألعابها القديمة في إثبات رواية الموت بالسيارة، والعائلة والثوار يشككون ويتظاهرون ويحاربون لإثبات القتل.
الإثبات هنا سيفتح ملفات أولها حدود التعاون بين الجماعة وبين أجهزة الأمن العائدة بقوتها القديمة، وأخطرها حرب تصفية القادة الميدانيين.

2
جثة في القمامة.
ليست جديدة… فعلتها قوات الجيش حين قتلت المعتصمين في تشرين الثاني العام 2011 وألقت بالجثث علنا على أكوام النفايات. ولكن هذه المرة الضحية مسؤول صفحة «جيل التغيير». وكالعادة اختفى، وعثر على جثته غارقة في الدماء في صندوق قمامة في مدينة المنصورة (120 كيلومترا من القاهرة وفي قلب الدلتا).
يثبت التكرار ان الجريمة منظمة، وتنسب جميعها إلى ميليشيا سرية، وهو وصف تقريبي لكيان غامض تنسب إليه جرائم تمت وتتم ما بعد «25 يناير الثانية» وتشترك جميعا في تراتبيتها:
ـ اختفاء
ـ ظهور تراجيدي إما على سرير الموت الإكلينيكي في مستشفى أو على أحد الطرق السريعة… أو في قلب القمامة.
ـ الملاحظات الأولية تؤكد تعرضهم للتعذيب المتعدد المستويات.
ـ تبدأ التحقيقات بإنكار من الأجهزة الرسمية وتنتهي بالجدل حول طريقة الموت.
الضحايا ليسوا رموزا أو نجوما في المعارضة، ولا قيادات كبيرة، وإنما القيادات الوسيطة من شباب يشرفون على صفحات ثورية ضد «الإخوان»، وهذه إشارة إلى أسلوب قديم لدى الأجهزة الأمنية في التعامل مع القيادات الوسطية لا الكبيرة في أي تنظيم سياسي.
التعامل يهدف إلى شل التنظيم عبر قطع خيوط التواصل بين القيادة والمجموعات النشيطة، وبأقل قدر من الضجة السياسية التي ترتبط عادة باسم الرمز أو القيادة الكبيرة.
هكذا يبدو ان الجهاز الفعال من شرطة حسني مبارك قد عاد ليستخدم في حماية محمد مرسي… هي «حرب» التقت عندها المصالح بين جماعة «الإخوان» ومندوبها في الرئاسة، وبين أجهزة الإجرام الرسمي التي تطل من جحورها بكل شراسة المنتقم. حرب أعلنها مرسي تنفيذا لقرار الكهنة: «استخدم الأجهزة القديمة وشكل بها درع حمايتك».
إنها حرب الفرصة الأخيرة، لا قبلها ولا بعدها، وليس مهما ان تدمر الدولة أو تتحول مؤسساتها الأمنية إلى عصابات مرتزقة تعمل لمن يمنحها الأمان وأشياء أخرى. تعمل من اجل صاحب السلطة وخروجا من آثار هزيمتها في ٢٨ كانون الثاني. مرسي يرفع معنويات ضباط وجنود جهاز الإجرام، حتى ولو كان ذلك على حساب بناء جهاز شرطة حقيقي يحمي المجتمع والناس. عودة جهاز الإجرام الرسمي هزيمة للجميع، بمن فيهم قطاعات الشرطة التي دافعت عن المهنة والمهمة وأرادت علاقة جديدة بين الشرطة والمجتمع. انتصر الإجرام وخرج شطاره كالتماسيح في البحيرة ليلتقوا مع شطار الجماعة تحت هدف واحد «إعادة الشعب إلى القمقم» أو «ركوب الشعب من جديد».
كانت الرسائل المتبادلة عبر اللاسلكي بين قيادات الشرطة يوم جمعة الغضب تلخص ما حدث في جملة واحدة «الشعب ركب»، والحرب الآن هي صراع على «الركوب»، الذي هو مفهوم السلطة المستبدة، ولهذا كانت أجهزة الإجرام الرسمي تنتظر في الخدمة، وتعرف بالغريزة ان مرسي سيحتاجها، وها هو قد «فعلها» وأعادهم إلي الحياة، وعادت معهم ميليشيات يهبط محاربوها الأشاوس من مدرعة الأمن في حرب «الركوب» المقدسة للطرفين.

3
هبط الإخواني من مدرعة الأمن أمام قصر الرئاسة.
شاهده الملايين. ولم يفسره احد. ماذا يفعل مدني بين صفوف القوات الرسمية لمواجهة الاحتجاجات؟ هل هو دليل الموت الذي يحدد للقوات ضحاياهم خاصة ان معظمهم تنامى دوره بينما تماسيح الشرطة السرية في مرحلة الاختباء؟ من هؤلاء؟ هل هم طلائع ميليشيات الإخوان ؟ البعض ينظر إلى وصف «الميليشيا» على انه «مبالغة»، مشير إلى ان الجحافل التي هاجمت اعتصام الاتحادية في تشرين الثاني العام 2012 كان اغلبها غير منظم وعشوائيا وجمع على طريقة تجميع «العضلات» للدفاع عن الرئيس بعد تراخي الأجهزة الرسمية.
لكن «العضلات» ليست مجرد مجموعات عشوائية ، كما فهمنا من روايات مصادر لعبت أدوارا فعالة في الجماعة حتى بعد قيام الثورة… الروايات تؤكد وجود «مؤسسة العضلات» قبل الثورة متجسدة في:
– لجان الحماية
– لجان التأمين
– اللجان الرياضية
هذه اللجان تعمل في الانتخابات والمسيرات والتظاهرات، وكل ما يتعلق بالنشاطات في الشارع.
تدريب هذه اللجان غير منظم، ارتجالي، يعتمد على تقوية البنية الرياضية للأجسام، وغالبية أعضائها طلاب جامعات (أشهرهم طلبة جامعة الأزهر)، والتجلي الكبير لهم كان في التصدي لهجوم من البلطجية خارج جامعة عين شمس لطلاب «الإخوان».
مسؤولية مؤسسة العضلات هنا كان يتداولها كل من محمود عزت وخيرت الشاطر. عزت هو تربية «الحرس الخاص» نسبة إلى التنظيم السري المسلح الذي تكون فترة الأربعينيات في الجماعة وأعلنت أنها حلته بعد العام ١٩٥٤. أما خيرت الشاطر فهو الرجل القوي في الجماعة والذي ترتبط به كل في غموضها خاصة ذلك الذي يحدث بعد الثورة.

4
خيرت الشاطر هو الإجابة التي تتحول إلى سؤال.
هو خلفية افتراضية لصورة مرسي، أو لأصابعه التي يهدد بها، أو في القوة غير الرسمية التي يزدحم بها قصر الرئاسة (ويظهرون على هيئة موظفين أو شخصيات بلا وظيفة يتحكمون في القصر ويحتلون مفاتيحه… يديرونها بمنطق الجماعة المحتلة لمكان غريب عليها). القوة تمتد خارج القصر للحماية مرة بالهجوم البربري الغوغائي، ومرة بالهبوط من مدرعات الأمن، أو الوقوف في صفوف الأمن المركزي كأدلة قتل لناشطي ومسؤولي الصفحات الثورية.
لم يظهر خيرت الشاطر علنا إلا في تهديدات علنية على لسانه أو مبطنة قالها البعض عن وعده بوجود آلاف المجاهدين في انتظار إشارة منه للدفاع عن الحكم الإسلامي.
يرتبط الشاطر هنا بتعبير «الميليشيات» أو «وحدة الرصد والاستطلاع»، كما وصفتها رسالة قيل إنها مهربة من أضابير الجماعة، وموقعة باسم الشاطر وتتضمن توجيهات وإدارة لإستراتيجية أمنية كاملة.
الرسالة تشير إلى وجود فرقة تجمع المعلومات وتحللها وتتدخل بشكل سري في الأحداث. وبعيدا عن تفاصيل الرسالة فإن لا احد نفاها من الجماعة، وهذا إما للتقليل من شأنها أو لتركها معلقة بين الحقيقة والخيال لتثير الرعب من «كيان سري» يحمي الجماعة ومندوبها في القصر.
الشاطر يشبه هذا الكيان. يقيم هنا في المسافة بين الواقع الذي نراه ولا نعرف وصفه على سبيل الدقة والتحديد، وبين غموض لا ندري مدى اتساعه حيث تنمو الخرافات والأساطير.
وهنا يبدو، بحسب نفس الرواة، ان «مؤسسة العضلات» أصبحت بالكامل تحت سيطرة الشاطر بعدما أصبح الرجل القوي الوحيد وابعد منافسه عزت إلى موقع صامت بلا تأثير. الاستفراد بمؤسسة مهمتها الأمن، هو استكمال لدائرة السيطرة الكاملة: الثروة والسلاح… والسلطة.
الشاطر أوكل مؤسسة العضلات، بحسب هذه الروايات، إلى أيمن عبد الغني، زوج ابنته، وهو مهندس اشرف لفترات طويلة على قطاعات الطلاب.
التنقلات في المؤسسة تمت على أساس تقني في المقام الأول، وبدأت عبر جهاز تم تهريبه عبر الحدود مع غزة للاتصالات عن طريق الأقمار الاصطناعية. وكانت مهمة الجهاز تحديث مواقع «الإخوان» في أوقات قطع الانترنت بالإضافة إلى توفير اتصالات محمية بين قادة الجماعة.
بعد الثورة اتخذ التطوير أكثر من مستوى كما نفهم من الرواة المقربين من الجماعة:
– مستوى اهتم بتطوير الجانب التقني عبر استيراد عدد كبير من أجهزة الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية (من أميركا)، بالإضافة إلى أجهزة اتصالات لاسلكية لتكوين ما يقترب من شبكة اتصالات خاصة محمية بين قادة الجماعة.
– الاستفادة من خبرات حركة حماس في تدريب عناصر على حماية السلطة، وهي فكرة قديمة كما يبدو من علاقة خليل العقيد، حارس خيرت الشاطر المقبوض عليه حاليا بتهمة إحراز سلاح من دون ترخيص. الحارس القي القبض عليه في العام 2008 عائدا من غزة عبر الأنفاق، ويومها أنكرت الجماعة علاقتها به. الحارس، وبحسب أقواله، يعمل في شركة أمن، والسلاح يخص مديرها وهو ضابط شرطة، وعلى ما يبدو فإن هذه الشركة ستخصص لحراسة الشخصيات المعروفة في الجماعة، وقد حاولت الحصول على تراخيص بأسلحة أيام وزير الداخلية السابق احمد جمال الدين، إلا ان الطلب قوبل بالرفض.
هل هذه نواة ميليشيا غير رسمية؟
أم ان هذا كل ما لدى خيرت الشاطر والجماعة ومن فرط المبالغة يقال إنها ميليشيات؟

5
اسمه عمر
لا يَعرِف ميليشيات الشاطر ولا حتى قوات الأمن المتحالفة معها لحماية الجماعة وحكمها. لا يَعرِف ان المسافات بين الجماعة والأمن تلاشت إلى حدود الوقوف في صف واحد واختيار الضحية.
لا يعرف عمر، إلا انه كان شاهداً على محاولات مئات من زملاء له في الشارع في ان يكون لحياتهم معنى.
لم يجد مجتمعاً يحميه، لكن المجتمع سيمشي في جنازته، بعدما عرفت مصر كلها اسمه حين وجدت جثته بجوار السفارة الأميركية.
رصاصتان أغرقتا عمر في الدم وألقت بالجثة قرب تمثال محرر عبيد أميركا اللاتينية سيمون بوليفار.
احتار الجميع: من قتل عمر؟
فلا احد يعرف التفرقة بين الميليشيا والقوة النظامية، ولا احد يفهم مدى التحالف بين الجماعة وقوات الإجرام الرسمي. عمر المتجول بالبطاطا قال أمام الكاميرا: «الأحلام ليست لنا يا أستاذ». قالها وهو قرب كل هؤلاء الحالمين ببلد أجمل وسعادة قد تصل إلى آلاف الأطفال المتجولين في الشارع بحثا عن الأمن والرزق. الجيش أخيرا أعلن مسؤوليته وقال ان جنديا قتل عمر برصاصة خرجت منه وهو يمازح زميله. هكذا الموت سهل، والقتل خطأ عسكري، والرصاصة وحدها تعرف ضحاياها.

 

صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى