توتر بين موسكو و «قسد»: لا انسحاب روسياً من الشرق

 

ثبّتت روسيا، خلال أقلّ من عام وجودها في الشمال والشرق السوريَّين، وكان لها انتشار واسع على الحدود السورية – التركية، من منبج وصولاً إلى أطراف المالكية، إلى جانب الجيش السوري، الذي انتشر في تلك المناطق عبر قوات حرس الحدود، بعد عملية «نبع السلام» التركية. وعلى رغم ذلك النفوذ الواسع في المنطقة، إلا أن موسكو لم تتمكّن إلى الآن من حيازة كامل ثقة القيادات الكردية، التي لا تزال ترى في الروس طرفاً متحيّزاً للحكومة السورية، وهو ما يكرّره معظم القادة السياسيين والعسكريين الأكراد، في تصريحاتهم واجتماعاتهم.

مردّ ذلك إلى أن القوى الكردية لم تستفد من درس الطعنة الأميركية بعد عملية «نبع السلام»، والتي أدّت إلى خسارتها مساحات واسعة من ريفَي الحسكة والرقة الشماليَّين لصالح أنقرة، بل إن تلك القوى لا تزال ترى في الوجود الأميركي ضرورة لإحداث توازن عسكري مطلوب في المنطقة. وعلى هذا الأساس، تطلب من واشنطن إطالة أمد وجود القوات الأميركية في سوريا، على عكس موقفها من الوجود العسكري الروسي، الذي تسعى إلى الحدّ منه، وتعتبر توسّعه خطراً على وجودها واستمرارية سيطرتها. ولا تكتفي القوى الكردية بذلك، بل هي تعمل على إثارة السكّان المحلّيين ضدّ القوات الروسية، وتنظيم تظاهرات شعبية لتقييد تحرّكاتها، وهو ما ظهر، مثلاً، من خلال تنظيم تظاهرات في قرية دير غصن، القريبة من حقول النفط، لمنع الجانب الروسي من تثبيت قاعدة عسكرية له في المنطقة، مع إغلاق حواجز «الأسايش» أمام الدوريات العسكرية الروسية.

تعتبر موسكو تلك التصرّفات الاستفزازية بمثابة عرقلة لتطبيق اتفاق «سوتشي»، الذي وافقت عليه القوى الكردية في وقت سابق. ومن هنا، بدأ الحديث يدور عن نية روسيا سحب نقاط المراقبة والقواعد الروسية كافة من الحدود السورية – التركية، والاكتفاء بالوجود العسكري في القاعدة العسكرية في مطار القامشلي. ووفق بعض التسريبات، فإن مقترحاً من قيادة القوات الروسية في سوريا رُفع إلى وزارة الدفاع الروسية، بتجميع القوات الموجودة في الشرق في قاعدة مطار القامشلي حصراً، بسبب تصرّفات «قسد» الاستفزازية، وسعي الأميركيين إلى عرقلة النشاط العسكري الروسي في المنطقة.

وبرّرت القيادة العسكرية الروسية في سوريا (حميميم) اقتراحها، بحسب مصدر عشائري مقرّب من موسكو تَحدّث إلى «الأخبار»، بـ»عدم تعاون قوات قسد، ومضايقات تتعرّض لها الدوريات العسكرية الروسية من قوات الأسايش، وعرقلة إتمام الانتشار العسكري الروسي في الشمال والشرق السوريَّين، بتحريض من الأميركيين». ووفق المصدر، فإن «الجانب الروسي عمل على إبلاغ قيادات قسد بالمقترح، لحثّهم على تعديل سلوكهم تجاه القوات العسكرية الروسية في المنطقة، وإبداء مرونة أكبر تجاه هذا الأمر». ويضيف المصدر أن «الروس حذروا الأكراد أكثر من مرّة من الثقة بوعود واشنطن، مع التأكيد على استعداد موسكو لدعم تمثيل الأكراد في أيّ مفاوضات فاعلة للحلّ السياسي للأزمة». ويكشف أن «وزارة الدفاع الروسية ردّت على المقترح بالإبقاء على القوات على الحدود، لكون انتشارها تمّ باتفاق مع الحكومة السورية». وترافقت كلّ تلك التطوّرات مع وقف الجانب الروسي تسيير الدوريات اليومية، لتسهيل حركة انتقال الأهالي والقوافل التجارية على طريق «M4» بين تل تمر وعين عيسى، مع إنزال الأعلام الروسية من بعض النقاط في ريف الحسكة.

ويذهب بعض التحليلات إلى أن الخطوات الروسية الأخيرة إنما تأتي تعبيراً عن امتعاض موسكو من زيارة مبعوث الرئيس الأميركي إلى سوريا، جيمس جيفري، للحسكة، والهادفة إلى عرقلة الجهود الروسية في تحقيق تقارب بين المعارضة والقوى الكردية من جهة، وبين الأخيرة والحكومة السورية من جهة أخرى. ويعلّق رئيس «تجمع سوريا الواحدة»، المقرّب من روسيا، الشيخ بسمان العساف، في حديث إلى «الأخبار»، على تلك التطوّرات بالقول إن «الاستياء الروسي من تصرّفات قسد مؤكّد، بسبب إثارتهم السكّان ضدّ القوات الروسية، وعرقلة انتشارهم في المنطقة». ويعتبر العساف أن «أيّ انسحاب روسي من المنطقة سيكون كارثياً، وسيؤدّي إلى تهديد منطقة حدودية واسعة»، داعياً «قسد» إلى «تحكيم العقل، والمضيّ نحو الحوار السوري – السوري لإنجاز تسوية سياسية شاملة، تمنح الأكراد حقوقهم، وفق سيادة ووحدة الأراضي السورية».

 

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى