تحليلات سياسيةسلايد

توتر جديد بين القاهرة وتل أبيب بعد انتقادات اسرائيلية للجيش المصري

رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصري يرد على دعوة وزير إسرائيلي لعقد جلسة طارئة لمناقشة ما وصفها بتزايد الخروقات الأمنية على الحدود مع مصر وتعاظم القوة العسكرية للجيش المصري.

 

تشهد العلاقات المصرية الإسرائيلية توترًا جديدًا عقب تصريحات أدلى بها الوزير في الحكومة الإسرائيلية يتسحاق فاسرلاوف، حذّر فيها من ما وصفه بـ”تزايد الخروقات الأمنية على الحدود وتعاظم القوة العسكرية للجيش المصري”. وقد اعتُبرت هذه التصريحات في القاهرة تجاوزًا سياسيًا جديدًا يعكس تزايد حالة الارتباك داخل الحكومة الإسرائيلية على خلفية حرب غزة والضغوط الدولية المتصاعدة عليها.

وقال فاسرلاوف، العضو في المجلس الوزاري الأمني المصغّر (الكابينيت)، في رسالة وجّهها إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والقائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومي جيل رايخ، إنّ التطورات العسكرية في مصر “تستدعي مراجعة جذرية لجاهزية الجيش الإسرائيلي واستراتيجيته الدفاعية”، مشيرًا إلى أنّ القاهرة “تستثمر بكثافة في البنية التحتية العسكرية والتسليح” مطالبا بعقد جلسة طارئة لبحث “التداعيات الأمنية المحتملة” لهذه التحركات، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها محاولة داخلية لتوجيه الأنظار بعيدًا عن الإخفاقات الإسرائيلية في غزة، أكثر من كونها قراءة واقعية للوضع في مصر.

وفي المقابل، جاء الرد المصري حازمًا لكن متّزنًا. فقد علّق ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، على تلك التصريحات، معتبرًا أنها تكرار لخطاب إسرائيلي “مستهلك” يسعى لتبرير الأزمات الداخلية. وأوضح في تصريحات إعلامية مساء الأربعاء، أنّ “القاهرة سئمت من هذه الادعاءات التي تُستخدم لإلقاء المسؤولية على أطراف خارجية كلّما واجهت الحكومة الإسرائيلية مأزقًا سياسيًا أو عسكريًا”.

وأشار إلى أنّ رئيس الوزراء نتنياهو ووزراءه المتطرفين درجوا منذ عامين على إطلاق اتهامات ضد مصر، سواء عبر مزاعم بوجود أنفاق لتهريب السلاح بين سيناء وغزة، أو من خلال إشارات ضمنية في محافل دولية تتهم القاهرة بالتساهل في ضبط الحدود. وأضاف رشوان أنّ تلك المزاعم “تهدف بالأساس إلى تغذية الخطاب الداخلي الإسرائيلي وإحياء صورة العدو التقليدي لصرف الأنظار عن الإخفاقات في غزة”.

وأكد المسؤول المصري أن العلاقات بين البلدين تمرّ بمرحلة “حساسة ودقيقة”، وأنّ القاهرة تتعامل معها “بقدر عالٍ من الحكمة والاتزان”، موازنةً بين التزامها باتفاقية السلام مع إسرائيل من جهة، وحرصها على سيادتها وأمنها القومي ودعمها الثابت للقضية الفلسطينية من جهة أخرى.

وأوضح أن مصر “تملك أوراق ضغط متعددة” في إدارة هذه العلاقة، بعضها معلن والآخر يجري تداوله عبر قنوات دبلوماسية مغلقة، في إشارة إلى أن القاهرة لا تكتفي بالتصريحات العلنية، بل تبعث برسائل مباشرة حين تتجاوز تل أبيب الخطوط الحمراء.

واستشهد رشوان بما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسي في قمة الدوحة مؤخرًا، عندما وجّه خطابًا صريحًا إلى الشعب الإسرائيلي محذرًا من أنّ سياسات حكومته “تهدد مسار السلام ذاته”. واعتبر رشوان أن “هذا الموقف العلني يحمل ما يكفي من الوضوح حول حجم الاستياء المصري، فما يُقال في العلن يعكس جزءًا فقط مما يُقال في الغرف المغلقة”.

ويأتي هذا الجدل في ظل تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة والتي توقفت بجهود الوسطاء، وما ترتب عليها من تدهور في الأوضاع الأمنية على الحدود مع سيناء. فقد عزز الجيش المصري خلال الأشهر الأخيرة من وجوده العسكري في المناطق الحدودية ضمن ترتيبات يصفها الجانب المصري بأنها “إجراءات سيادية تهدف لحماية الأمن القومي ومنع تسلل العناصر المسلحة”. إلا أن تلك التحركات أثارت قلقًا في أوساط إسرائيلية، وجرى توظيفها في النقاش الداخلي الإسرائيلي كمبرر لتوسيع صلاحيات الجيش أو لانتقاد أداء الحكومة.

ويرى محللون أن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة تعبّر عن “عقدة قلق مزمنة” تجاه القوة المصرية، رغم أن التعاون الأمني بين البلدين ظل قائمًا ضمن أطر اتفاقية كامب ديفيد. كما أن القاهرة، وفق هؤلاء، “تتفادى الانجرار إلى أي سجال علني”، وتكتفي بتثبيت مواقفها الدبلوماسية والإعلامية من دون تصعيد لفظي.

ويعتقد مراقبون أن الأزمة الحالية لن تصل إلى مستوى القطيعة أو التجميد الكامل للعلاقات، لكنها تكشف عن تراجع الثقة السياسية بين الجانبين في ظل حكومة إسرائيلية يمينية تميل إلى التصعيد الكلامي. ويؤكد هؤلاء أن القاهرة ستواصل استخدام أدواتها السياسية والاستخباراتية لضبط الإيقاع وضمان عدم انزلاق الموقف إلى مواجهة مفتوحة، مع تمسكها في الوقت ذاته برفض أي محاولة إسرائيلية للمساس بحقوقها السيادية أو التشكيك في نواياها.

وبينما تحاول إسرائيل حشد الداخل بخطاب “الخطر الخارجي”، تبدو مصر أكثر ميلاً إلى التهدئة المدروسة، مدركةً أن الحفاظ على التوازن بين الأمن والسيادة والسلام هو الخيار الأكثر واقعية في هذه المرحلة المضطربة.

وفي خضم هذه التطورات أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس توجيهات للجيش بتحويل المنطقة المتاخمة للحدود الإسرائيلية المصرية إلى “منطقة عسكرية مغلقة”، في ظل ادعاءات بتهريب أسلحة عبر طائرات مسيّرة.

وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي الخميس “أصدر وزير الدفاع يسرائيل كاتس تعليماتٍ للجيش بتحويل المنطقة المتاخمة للحدود الإسرائيلية المصرية إلى منطقة عسكرية مغلقة، وتعديل تعليمات إطلاق النار تبعا لذلك”.

وأضافت الإذاعة أن “كاتس اتفق مع رئيس جهاز الأمن العام “الشاباك” ديفيد زيني على العمل على تصنيف خطر تهريب الأسلحة باستخدام الطائرات المسيرّة كتهديد إرهابي”.

كما نقلت عنه قوله للجيش “نعلن الحرب (على التهريب)، وكل مَن يخترق المنطقة المحظورة سيتعرض للأذى”.

وأوضحت الإذاعة أنه “تم الاتفاق على أن تعمل مديرية مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الدفاع على تطوير حلول تكنولوجية بالتعاون مع سلاح الجو”.

وتابعت “بالإضافة إلى تقديم مجلس الأمن القومي المساعدة في قضايا، مثل الترخيص الإلزامي والتعديلات التشريعية المتعلقة باستخدام الطائرات المسيّرة وحيازتها وصيانتها”.

وفي الأشهر الأخير، ادعى الجيش الإسرائيلي أكثر من مرة إحباط محاولات لتهريب أسلحة باستخدام طائرات مسيّرة.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى