توسيع الجبهة أم خلط أوراق؟

لم تنجح كل المحاولات على امتداد تاريخ لبنان في إعطائه هوامش استقلال فعلية عن قضية المنطقة وما يُعرَف بالصراع العربي الإسرائيلي أو «أزمة الشرق الأوسط». آخر تلك المحاولات الجدية في العام ألفين مع تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، وانسحاب القوات السورية في العام 2005 نتيجة قرار دولي بتغيير موقع لبنان وليس حماية لبنان أو توفير ضمانات له. عملياً لم يكن القرار 1559 منفصلاً عن نتائج الاحتلال الأميركي للعراق والرغبة الأميركية في التغيير، أقله «سلوك النظام» في سوريا. ولم تنجح حرب تموز 2006 في التمهيد لصياغة نظام إقليمي من دون هذا الارتباط السوري ـ الفلسطيني ـ اللبناني.

مع انفجار الأزمة السورية مطلع العام 2011 كانت هناك سيناريوهات أو احتمالات عدة لتطورها ونتائجها، وليس صحيحاً أن ما آلت إليه هو القانون الموضوعي. فالصراعات دائماً تنتج أموراً مختلفة عن توقعات الفاعلين فيها. وفي جانب العلاقات اللبنانية السورية لم تكن خيارات الفرقاء حتمية من حيث أشكال تدخلهم، لكن ربما كان من السذاجة أيضاً افتراض الحياد وعدم التدخل ومن خلال قوى لديها شبكة العلاقات الواسعة والمتشعبة مادياً وسياسياً وبعد عشر سنوات تقريباً من الصراع الداخلي اللبناني حول العلاقة بسوريا.

حتى الآن النتائج والارتدادات محدودة من حيث السلبية على البلد وعلى الأطراف أنفسهم قياساً لأي تصوّر. لكن المشكلة لا تنتهي هنا وهي تتعلق بالمستقبل حيث أصبح لبنان في حالة اشتباك بعيد المدى غير معروف النتائج مع إسرائيل، وانخراط في الصراع الإقليمي الذي يؤثر بالدرجة الأولى على كيانه وطبيعة نظامه. كيف يمكن لبلد صغير تعددي ضعيف اللحمة الوطنية والإمكانات المادية يتخبط بأزمات سياسية واقتصادية أن يعيش في ظل هذه الأخطار من جميع حدوده؟ وهل يستطيع فعلاً أن يؤدي هذه «الوظيفة» التي تتخطى دفاعه عن كيانه في ظل بيئة إقليمية مفتوحة على هذا الحجم من النزاعات التي سيطول حل مشكلاتها وتفكيكها؟

هذا النوع من الأسئلة لا تجيب عليها قوى الصراع إلا إجابات إيديولوجية بحكم تكوينها، أي بإرادوية هي جزء مهم من عملية التغيير، ولكنها ليست كل عناصره ومقوماته.

إحدى مشكلات حركة التحرر الوطني العربية كانت في عدم إنتاج مشروع للتحرير ليس من زاوية الرغبة فيه واكتماله، بل من حيث وسائل التدرج به وتغيير موازين القوى في الداخل والخارج. ولا زالت قضية فلسطين في موقع هذه الإشكالية من حيث التوازن الدولي الذي تحتاجه عملية إنجاز بعض الحقوق الأساسية أو على الأقل الوصول إلى تسوية سياسية تاريخية.

طبعاً تدخل اللبنانيين في الأزمة السورية الداخلية شيء والانخراط في الجبهة السورية مع إسرائيل شيء آخر. هناك فارق كبير بين الاشتراك في حروب عربية عربية وبين «التأسيس» لمقاومة سورية مع إسرائيل ليس فقط من ناحية اتساع الجبهة بل من ناحية الدلالة السياسية في الصراع العربي الإسرائيلي. لسنا نفهم الغارات الإسرائيلية في سياق الصراعات الداخلية والانتخابية بل يمكن وضعها دائماً في سياق الحضور الإسرائيلي في الأزمة السورية، من جهة، وفي طبيعة الحلول التي ستوضع لاحقاً لضبط هذه الحدود.

أربعة عقود من المساومة بين سوريا وإسرائيل كانت لضمان ضبط الحدود أو جعل القرار على هذه الجبهة بيد جهة مسؤولة وتخضع لحسابات دولية. فلا شك في أن إسرائيل حاضرة على الجبهة الجنوبية السورية حيث لم يعد لهذه الحدود مرجعية ودخلت «المقاومة» طرفاً ربما لديه حرية حركة أكثر. أمر جيد ومطلوب أن تتشكل «مقاومة» في الجولان، لكن أن تكون طليعة شهدائها لبنانيين تفتح أسئلة عن الجبهة العسكرية نفسها وكيف يمكن تحصينها وأسئلة سياسية عن مستقبل الصراع والبيئة الحاضنة لذلك.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى