ثلاثة أسباب تُؤكّد أنّ المُسيّرات اللبنانيّة الثّلاث التي حلّقت فوق حقل غاز “كاريش”
لم يُفاجئنا مُطلقًا إرسال “حزب الله” ثلاث مُسيّرات غير مسلّحة مُزوّدة بكاميرات في مَهمّةٍ استطلاعيّة فوق حقل غاز “كاريش اللبناني” لأنّ القرار اتّخذ قبل أسابيع وجرى تنفيذه في الوقت المُناسب، وهُناك عدّة أهداف وراء هذه الخطوة التي تُشكّل المُقدّمة لعدّة خطوات قادمة:
الأولى: بث القلق والرعب في صُفوف المُهندسين والعاملين الإسرائيليين في منصّات الغاز في المنطقة الاقتصاديّة وتكريس شعورهم بعدم الأمان، وبما يؤدّي إلى هُروبهم في نهاية المطاف وتوقّف عمليّات استِغلال الغاز حتى يتم التوصّل إلى تسويةٍ، وهذا أمْرٌ بعيد المنال في الوقت الرّاهن على الأقل.
الثانية: السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” تعهّد في خِطابه الأخير بحماية حُقول الغاز اللبنانيّة، ومنع “إسرائيل” من سرقتها بالقُوّة، وضرب سفينة التّنقيب اليونانيّة إذا استمرّت في سرقة الغاز اللبناني، وها هو يفي بالعهد كعادته، وبعد يومين تقريبًا من وصول الرّد الإسرائيلي المُتعجرف الذي حمله المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين إلى الحُكومة اللبنانيّة عبر السّفيرة الأمريكيّة دوروثي شيا.
الثالثة: التأكيد على انتقال مِلف احتياطات الغاز اللبناني من الحُكومة إلى المُقاومة اللبنانيّة، لتقوم بتحريرها على غِرار تحرير الأراضي اللبنانيّة المُحتلّة عام 2000، وإلحاق هزيمة مُذلّة بالجيش الإسرائيلي.
عندما يقول مُتحدّث باسم “حزب الله” في ردّه “المُقتضب” على إسقاط الدّفاعات الإسرائيليّة للطّائرات الثّلاث “المُهمّة المطلوبة أُنجزت والرّسالة وصلت” فإنّه يعني أن المُقاومة كسبت الجولة الأولى من “الحرب النفسيّة” على الجبهة البحرية الجديدة، وأربكت العدوّ، وأن هناك جولات عسكريّة قادمة حتمًا، فهذه مُجرّد “رسالة إنذار” فقط، و”فاتحة شهيّة” قبل الوجبة الرئيسيّة، ولن تكون المُسيّرات الثّلاث هي الأولى والأخيرة، وهذا ما يُفَسِّر إعلان قيادة الجيش الإسرائيلي حالة الطّوارئ، ودراسة احتِمالات الرّد، وهو رَدٌّ سيكون مُكلفًا، لأنّ الرّد عليه بات جاهزًا ومحسوبًا بعنايةٍ، حسب مصادر عالية المُستوى تحدّثت إلى هذه الصّحيفة.
المُسيّرات الثّلاث التي لا تُكلّف الواحدة منها إلا بضعة مِئات من الدّولارات، وجرى إسقاطها بصواريخ تصل قيمة الواحد منها إلى مِئات الآلاف من الدولارات، لم تُرسِل حتى تعود وإنما لفتح صفحة جديدة من المُواجهة “الغازيّة” البحريّة، واستِفزاز الطّرف الإسرائيلي ودفعه إلى الرّد، وبِما قد يُبَرِّر إطلاق العشَرات من الصّواريخ الدّقيقة والمُسيّرات المُسلّحة المُتطوّرة جدًّا لتدمير منصّات الغاز الإسرائيليّة في شرق المتوسّط.
من العار أن لا يجد الملايين من اللبنانيين الغاز والمازوت والدّواء وأخيرًا الخُبز بينما يسرق الإسرائيليّون غازهم في وضح النّهار، ويمنعوهم بحمايةٍ أمريكيّة، من استِخراجه بتهديد شركات النفط المُتعاقدة مِثل “توتال” الفرنسيّة، و”إينو” الإيطاليّة، و”روسنفت” الروسيّة.
الجِنرال ران كوخافي المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي صرّح اليوم “بأنّ المِياه الاقتصاديّة (اللبنانيّة) تقع كلّها ضمن المساحة الإسرائيليّة (الشرعيّة) و”حزب الله” يُحاول المس بالسّيادة الإسرائيليّة بكُلّ الطُّرق، ونال هذه المرّة هزيمةً كُبرى”، ممّا يعني أنه، وقيادته، ينفيان كُلِّيًّا أيّ حُقوق لبنانيّة في شرق المتوسّط، سواءً الخط 29 أو حتى الخط 23، في صُورةٍ من أبشع صُور البلطجة والاستِعلاء والاستِكبار.
إسقاط ثلاث مُسيّرات “بدائيّة” ورخيصة التّكلفة لا يعني هزيمة “حزب الله”، ولا تُبَرِّر الاحتِفالات الإسرائيليّة “المُبكّرة” بالنّصر، في مُحاولةٍ يائسة لطمأنة المُستوطنين القلقين والخائفين من اشتِعال فتيل الحرب الإقليميّة “الوجوديّة”، ومن المُتوقّع أن تكون على جبهاتٍ عديدةٍ من الشّرق والجنوب والشّمال والآن من البحر شرقًا.
مَسؤولٌ لبنانيٌّ كبير ومُقرّب جدًّا من “حزب الله” أكّد لنا في حديثٍ خاص ليس للنّشر على لسانه، أنّ المُقاومة اتّخذت قرار الحرب وتحرير الثّروات البتروليّة والغازيّة اللبنانيّة من سيطرة الإسرائيليين، تمامًا مثلما حرّرت جنوب لبنان، وفكّكت الحِزام الأمني وأعادته للسّيادة اللبنانيّة بقُوّة السّلاح، ولهذا فإنّ ضرب سفينة استِخراج الغاز من حقل “كاريش” اللبناني مَسألةٌ في غايةِ البساطة والسُّهولة بالمُقارنة مع الاستِعدادات بهدف التّحرير الأكبر.
نقولها للمرّة الأف، وبأعلى صوت، إنّ المُقاومة اللبنانيّة لم تطلب إذنًا من الدّولة اللبنانيّة لتحرير الجنوب، وطرد الإسرائيليين مُهانين ومَهزومين منه، وهي قطعًا لم ولن تطلب تصريحًا لتحرير الثّروات النفطيّة والغازيّة في المِياه الإقليميّة اللبنانيّة من البلطجة الإسرائيليّة، بينما يتضوّر خمسة ملايين لبناني جُوعًا ولا يجدون رغيف الخُبز وعُلبة الحليب لأطفالهم.. والأيّام بيننا.