ثلاثة تطوّرات “جديدة” في المشهد الجزائريّ تستحِق التّأمُّل.. ما هِي؟

 

ما زالت الأزَمَة الجزائريّة تتصدّر وسائل الإعلام بأشكالها وعناوينها الرئيسيّة كافّةً، مرئيّةً أو مكتوبةً أو مسموعةً، ولكن ثلاثة أحداث رئيسيّة سيطرت على المشهد الجزائريّ طِوال اليوم الأحد يُمكِن أن تُشكّل العمود الفقريّ في أيّ قراءةٍ تحليليّةٍ لاستقراء ما يُمكِن أن تخبئه تطورات المستقبل المنظور:

الأول: التصريح الذي أدلى به أحمد قايد صالح، قائد أركان الجيش الجزائري، والرجل القوي في الدولة، في كلمة له أمام قيادات وطلاب مدرسة عسكريّة للمهندسين وقال فيه “إنُ هُناك تعاطف وتضامن ونظرة واحدة للمستقبل تجمع الجيش والشعب”.

الثاني: عودة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الجزائر من جنيف بعد غياب أسبوعين أجرى خلالها فحوصات طبية دوريّة في مستشفى سويسري.

الثالث: استمرار الحِراك الشعبي المُعارض لخوض الرئيس بوتفليقة الانتخابات الشهر المقبل لتولي الرئاسة لعهدة خامسة، ومطالبة هذا الحراك الحضاري السلمي المشروع بانتخابات حرّة ونزيهة تأتي بقيادة جديدة كفُؤة ومُعافاة صحيًّا، وبدنيًّا، تقود البلاد، وتخرجها من أزماتها الاقتصاديّة الحاليّة، وتُحارب كل أنواع الفساد وتُحقّق الإصلاح السياسي المأمول.

بدأنا بتصريح رئيس هيئة أركان الجيش لأنه، ومؤسسته العسكريّة، هُما الطرف الأقوى الذي يقود فعليًّا الحُكم في البلاد من خلف ستار، ولهما الكلمة الفصل في مُعظم الملفّات إن لم يكُن كلها.

اللّغة التي استخدمها الفريق صالح جديدة ذات طابع تصالحي، ومختلفة كليًّا عن لغة خطابه في أكاديمية شيرشال العسكريُة قبل ثلاثة أيُام، التي كانت تنطوي على الحسم والعزم، والتلويح بالقبضة الحديديّة لمنع انجراف البلاد إلى عشريّةٍ سوداء أو حمراء أخرى إذا لزم الأمر، ومُتّهمًا أطرافًا تتآمر لجر البلاد إلى هذه الأحداث الكارثيّة التي أدّت إلى مقتل أكثر من 200 ألف جزائري، دون أن يسميها، أيّ هذه الأطراف، بالاسم.

عندما يقول الفريق صالح إنّ الجيش محظوظ بشعبه، وأنهما مُتُفقان في رؤيتهما للمستقبل فإنّ هذا يعني، بشكل مباشر أو غير مباشر، اعترافًا بالمطالب المشروعة للشعب الجزائريّ في التّغيير، وشرعيّة هذه المطالب، والاحترام الكبير له.

أمّا إذا انتقلنا إلى الأمر الثاني وهو عودة الرئيس بوتفليقة إلى أرض الوطن بعد اكتمال فحوصه الطبيّة، فإن ما يمكن قوله للوهلة الأولى، أن هذه العودة لا تعني أن الوضع الصحي للرجل بات في أفضل الأحوال، ولكن العودة قطعت الطريق على مُعظم الشائعات التي جرى تسريبها من أطرافٍ مجهولة، ٍتقول إنه كان غائبًا عن الوعي، ويعيش على آلاتِ التنفس الصناعي في غرفة العناية المركزة، في سريره في المستشفى، وستطول فترة إقامته فيه، بل وقد لا يعود مُطلقًا للجزائر.

السُؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هو مدى تجاوب المُؤسستين العسكريّة والرئاسيّة مع مطالب الحراك الشعبيّ السلميّ الحضاريُ في إعادة النظر بترشيح الرئيس بوتفليقة لخوض الانتخابات، أو تأجيلها على الأقل لامتصاص الاحتقان الشعبي بالتالي، أو المُضي قدمًا فيها دون أيُ اعتبار لهذه المطالب المشروعة لنسبة كبيرة من الشعب الجزائري؟

نحترم كُل وجهات النظر تجاه الأزمة الجزائرية، لأننا ننطلق هنا في هذه الصحيفة “رأي اليوم” من أمرين أساسيين، وهو عدم رغبتنا في التدخل في شأن جزائري داخلي على درجة كبيرة من الحساسيّة، ولإيماننا بأنُ الشعب الجزائري في مُعظمه، شعب عالي الثُقافة، ويملُك كفاءات سياسيّة وفكريّة عالية المُستوى والخبرة، وانطلاقًا من مقولة “أهل مكّة أدرى بشِعابها”، وشِعاب الجزائر “مُختلفة” عن جميع نظيراتها.

لا أحد يُريد عودة الجزائر إلى سنوات الجمر خاصّةً في أوساط الشعب الجزائري وجيشه، اللذين اكتووا بلسعاتها القاتلة، وما زالوا يُعانون من آثارها المُؤلمة حتى اليوم، وإن كُنُا لا نستبعد أن يحاول أعداء الجزائر، وأمنها، واستقرارها، ووحدتها الوطنيّة، التسلُل لإشعال فتيل الفِتنة، وما يُطمئِنُنا أننا لمسنا وعيًا مسؤولًا لهذه المُحاولات وأهدافها من قبل الجميع دون استثناء، من خلال اتصالاتنا ومُتابعاتنا.

خِتامًا لا نستطيع أن نُنهي هذه الافتتاحيّة دون التوقُف عند ظاهرة مُلفتة، وهي “تواضع” طائرة الرئيس الجزائري التي عادَت به من جنيف سواء من حيث الحجم، أو التكاليف، بالمُقارنة مع نظيراتها في مناطق أخرى من المشرق العربي تحديدًا، فقد كانت “صغيرة” لا تتّسع إلا لركاب يعدون على أصابع اليدين، وليست قَطعًا من النُوع الفاره العِملاق وتقود أُسطولًا من سبع أو ثماني طائرات تحمل عفش المُرافقين من الطبّاخين والخدم والحشم والحُرّاس.

الجزائر التي تُعتبر قارُة لوحدها من حيث المساحة، وعدد السكان (42 مليونًا)، والتاريخ المُشرّف في الثورات والشهداء، تُقدّم لنا نموذجًا في التّواضع، والوحدة الوطنيّة، ليس بين أبناء الشعب الواحد، وإنّما بين الشعب ومُؤسّسته العسكريّة، ونُخبته السياسيّة، سواء في الحُكم أو المُعارضة أو هكذا نلمس نحن المُحبّين لهذا البلد، والمُقدّرين لمواقفه المُشرّفة على الصُّعُد كافّة، وحمى الله الجزائر.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى