كتب

ثنائية الانتحار في ‘مذكرات عائد من ليل’

إن أفكارنا تولد من الألم، وعلينا بما يشبه الحياة أن نشاركها الغير و”مذكرات عائد من ليل: ثنائية الانتحار” حالة رؤيوية إبداعية تنطلق من الذات/ الكاتبة لتطول تسجيلاتها العالم.

لقد أرادها الروائي محفوظ كتاباً مفتوحاً يُشارك به القارئ في تفسير تجربة ألم فريدة واستثنائية تكشف عن أعطاف مظلمة في عمق الكائن البشري، حالة يكون فيها المرء حبيس ذاته وغير قادر على الخروج منها. وهذا ما حدث لبطله المأزوم الدكتور سيف أصلان الطبيب النفسي الذي عجز عن مداواة نفسه من حالٍ وصلت به إلى مرحلة الاكتئاب؛ فقرر كتابة مذكراته تحت عنوان “مذكرات معتوه” يروي فيها معاناته مع ذاته، وكأنه فعل ذلك ليثبت لنفسه وللجميع شيئاً واحداً، أنه معتوه. حتى أنه بدأ مذكراته وأنهاها بقوله عن نفسه “أنا معتوه”!

وبين البداية الملتبسة والنهاية المفتوحة التي يعتمدها الروائي نقع على حالة شعورية فردية تتأرجح بين الوهم والواقع والخيال، يُسهم الروائي في تجليتها وبلورتها، بلورة تجمع بين الهلوسة والمونولوغ الداخلي، الوعي واللاوعي، وتتحقق نصياً بصيغ تعبيرية شاعرية، وباطنية تتسم بالعمق في تشخيص الوقائع والبحث عن مسبباتها، بحيث يصبح كل حدث عنصرَ استدعاءٍ لمواقف شعورية معينة عند بطل الرواية، وهي أحداث تُسهم في إظهار التباعد الذهني بينه وبين الآخرين؛ وفيها تحضر حبيبته سارة واعترافها بخيانتها له والعلاقة الندية مع والده، وعقدة الذنب تجاه والدته المتوفاة، ومسيرته المهنية، ورفاقه، وتجليات مرضه النفسي؛ وكل هذه الحالات تتنامى في النص عبر دائرة لا متناهية من هذيان الذات/ الكاتبة في جدلها مع الذاكرة؛ مما يمكّن القارئ من فهم درامية الكينونة المنشطرة لذات البطل، وتصوّرها كذات موجوعة ومخترَقَة بالمشاعر المتناقضة والملتبسة والتي لا تفتأ تتأرجح بين الماضي والحاضر، وهو الشيء الذي يجعل القارئ يتماهى مع البطل ويحاول تفسير ما يحدث وما يقرأه في هذه المذكرات إن كانت حقيقة أم أنها مُخيلةُ معتوه شاءت أن ترسم له تلك الأحداث توافقاً مع شعوره، فدوّنها بكل أمانة. وما الواقع سوى أحداثاً وشعور؟

ميدل إيست أوتلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى