كتب

‘جزيرة الفئران’ مجتمع المحرومين والفقراء والمعذبين

تعبر القصص الأربعة التي تضمها مجموعة “جزيرة الفئران” للكاتب اليوناني كريستوس أويكونومو عن الوضع الحالي في اليونان؛ الديون والأزمة، الحكومة والمناهضين للسلطوية، السياسة والفساد، تستعين شخصياتها في نسج حكاياتها بأفكار من مقالات قصيرة ومقاطع من التأمل الفلسفي، وتتدفق لغتها اليومية الحية وتتحرك بشكل مرن، ولطيف، وبارع، ومبتكرة، وقبل كل شيء الموسيقى، والشاعرية. لغة سرد تتضمن بشكل طبيعي تقليد الصوت وتهويدات مرتجلة وأغاني أطفال.

أربع قصص قصيرة قد تبدو منفصلة، لكن يربط بينها خيط رفيع، تشكل رواية معيارية تنتقل إلى حدود الجو المشحون عاطفيًا الذي يتم تنظيمها به، ليس فقط الاقتباس، وليس فقط السعي لقبول القراءة، ولكن أيضًا التذمر بشكل لا لبس فيه، والاستهزاء بردود فعل السكان المحليين من قبل المهاجرين الاثنيين، وأخيراً إرسال رسائل تفيد بأن الأزمة المالية تعزز حصارها.

تتشابك جميع قصص المجموعة الأربعة، لتشكل ذروة المعاناة الدراماتيكية، حيث يخوض “كريستوس” بغنائية الأوصاف في مونولوجات الأبطال، وذلك من خلال اللعب بوعي مع خيال القارئ، ورسم أبطاله بمخططات غير واضحة، لأن ما يهم لديه هو عدم رؤيتهم أمامنا طالما نشعر بحيوات شخصياتهم المهزومة، ونتلمس جراحهم النفسيةوكيف يواجهونها، وبالتالي نرى وجههم الحقيقي، وجه مجتمع المحرومين والفقراء والمعذبين والمتضررين الذين بموجب القانون لا يستطيعون رفع رؤوسهم. ونقف على رموز لمأساة وشيكة: طعم الدم في الفم، أجراس المرثية التي ترن، والمرثية التي لا تأتي، نظرة الموت في العينين، السكاكين، المقابض، الأجساد الضالة بسبب سوء الحظ والمرض، والغابات القديمة، والكهوف السوداء المظلمة، والسحب الحمراء التي ولدت من بحر كبير من الدم.

جميع أبطال المجموعة التي ترجمتها نيرة إبراهيم وصدرت عن دار العربي اضطروا إلى مغادرة أثينا والهجرة إلى جزيرة في بحر إيجه ـ لم يتم تسميتها ـ بسبب الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، يكافحون لبناء حياتهم من الصفر، على أمل مستقبل أفضل،لكن يصبح الاتصال بينهم وبين السكان المحليين على الجزيرة إشكاليًا تمامًا، حيث يواجهون واقعا وحصارا كئيبا يائسا. نحن هنا نتتبع حيواتأناس خائفين، يائسين، نحيفين، يعيشون كسجناء مدانين، وكضحايا لفشل الحياة السياسية والاقتصادية اليونانية، هذا الفشل الذي لا يسمح لهم بالعيش الكريم. القضية؛ إنهم آتون من أثيناومن أماكن أخرى ويسقطون على مجموعات ومصالح وعلى الصراع العنيف بين السكان المحليين القاسيين “الجرذان”، ولكنهم أيضا ليسوا معصومين من الخطأ ولا أبرياء. لكنهم ضعفاء والقليل من الحياة الذي يطلبونهيبدو تحقيقه مستحيلا. لأن الأخلاق مشوهة، لأن آليات الكراهية ودوائر الدم قد تحركت، مما أدى إلى القتل والاغتصاب والحرق والانتحار اليائس.

هكذا تتحول الجزيرة الجذابة التي نواجهها في رحلاتنا الصيفية إلى مشهد فظيع، في مكان مظلم، في مشهد قاتم، حيث تم التحقق من أن الجحيم/ الكابوس في الواقع هو المكان الذي يعيش فيه المهاجر في مواجهة المواطن..

“تاسوس” بائع الخضار الذي باع الخيار والطماطم في السوق، هو فيلسوف ما، وبالإضافة إلى ذلك ثوري! مستهدف من مافيا الجزيرة.. كرونيس المقعد، مقيد على كرسي متحرك، بنظرياته عن اللطف والحب، والذي يتسلح بسكين متوعدًا عجوزًا يحب فتاة أصغر منه، وصاحب الحانة “لازاروس” الرجل الذي يلقبونه بـ”القوس”، والذي اختفى ابنه في ظروف غامضة ويبحث عنه ليلاً ونهارًا دون جدوى، لديه حانة في “أبيسالوس” يربي في باحتها الخلفية الدجاج والديك الرومي وما شابه، وزوجان يريدان أن يبدآ حياة جديدة بعد الأزمة الاقتصادية التي أطاحت بكل شيء، لكن المصاعب كثيرة والتحديات أكثر وأصعب.

يذكر أن القاص “كريستوس إيكونومو” ولد في أثينا عام 1970، نشر له ثلاث مجموعات من القصص القصيرة وهي “المرأة على القضبان” عام 2003، و”شيء ما سيحدث ” عام 2010 والتي فازت بجائزة الدولة لأفضل مجموعة قصص قصيرة في اليونان وكانت أكثر الكتب التي نالت استحسان النقاد عام 2011، وهذه المجموعة التي نشرت بعنوان “سيأتي الخير من البحر” عام 2019. تُرجمت أعماله إلى عدة لغات حول العالم. وقد أطلقت عليه صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية لقب “فولكنر اليوناني”، دخلت القائمة القصيرةلـ The Millions كأفضل كتاب لعام 2020.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى