جملة اعتراضية| انفجروا.. أو موتوا (علاء الاسواني)

 

علاء الاسواني

إذا وجدتَ نفسك في نزاع قضائي ماذا تفعل؟ بالطبع ستقوم بتوكيل محام ليترافع عنك أمام المحاكم، ثم إذا اكتشفت أن محاميك فاشل، او أنه بلا ضمير، يسعى إلى التواطؤ مع خصومك ضدك.. ماذا تفعل؟ ستقوم بإلغاء التوكيل الذي منحته للمحامي وتبحث عن محام آخر أمين وكفء. هل يجوز لأحد عندئذ أن يمنعك من إلغاء التوكيل؟ هل يجوز لأحد ان يطلب منك الاحتفاظ بالمحامي الفاشل الغشاش حتى تنتهي قضيتك التي يترافع فيها؟ هل يجوز لأحد أن يقول لك إنك اخترت هذا المحامي وبالتالي يجب أن تستمر معه إلى الأبد حتى لو أدى ذلك إلى خسارتك للقضية وضياع حقوقك جميعاً؟ بالطبع لا يجوز لأحد أن يطالبك بذلك، لأن علاقتك بالمحامي ليست إجبارية وإنما اختيارية، قائمة على التعاقد الحر الذي يستمر برضى الطرفين. هذا المنطق الواضح المستقيم هو الذي يعطي الشعب الحق في سحب الثقة من أي رئيس منتخب. من مبادئ النظام الديموقراطي أنه لا يجوز إعطاء السلطة لأي مسؤول من دون القدرة على محاسبته، ولا توجد محاسبة بدون القدرة على سحب الثقة من المسؤول حتى لو كان منتخباً. في الدول الديموقراطية جميعاً، يأتي الرئيس بإرادة الشعب عن طريق صندوق الانتخاب، فيكون من حقه أن يكمل مدته القانونية، ولكنه إذا ارتكب جرائم أو اتخذ قرارات تهدد الوطن وتضر بالمجتمع فمن حق البرلمان سحب الثقة منه والإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة، عندئذ يكون أمام هذا الرئيس احتمال من اثنين: اما أن يكسب الانتخابات من جديد فيستمر في السلطة، أو يخسر ثقة الناخبين ويخسر معها منصبه.
إن سحب الثقة من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء المنتخب، تقليد مستقر في النظام الديموقراطي، حدث من قبل في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وايطاليا واليونان واسبانيا وهولندا وفنزويلا والأرجنتين والبرازيل. ان انتخاب الشعب لرئيسه يشبه تماماً التوكيل الذي تمنحه لمحاميك، لا هو عقد إجباري أبدي ولا هو صك على بياض يفعل به ما يشاء. كما يكون من حقك إلغاء توكيل محاميك يكون من حق الشعب سحب الثقة من رئيسه.
هذا ما سيحدث في «30 يونيو». سوف ينزل ملايين المصريين إلى الشوارع ليطالبوا بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. «الإخوان» يرفضون رؤية الواقع ويتهمون من يطالبهم بانتخابات مبكرة بأنهم فلول نظام مبارك أو علمانيون كفار ضد الإسلام. هذه الخزعبلات يرددها «الاخوان» لأنهم لايريدون أن يعترفوا بفشلهم وجرائمهم. «الاخوان» يعيشون في عالم افتراضى بعيد عن عالمنا وهم يعتبرون أنهم مقدسون ربانيون، اختارهم الله وحدهم وكلفهم بإعلاء كلمته واستعادة مجد الاسلام، وبالتالي يعطون لأنفسهم الحق في الكذب والتضليل والغش والاعتداء على الناس وقتلهم، وهم يقنعون أنفسهم بأن جرائمهم ضرورية من أجل نصرة الإسلام بينما لم يسئ أعداء الإسلام إليه قط مثلما أساء إليه الاخوان بأفعالهم المنكرة.. لو فكر «الاخوان» قليلا واسترجعوا ما حدث خلال العام الذي حكموا فيه مصر، لتبين لهم أن الذي قسم الوطن وأضاع مصالحه وجعل سمعة «الاخوان» في الحضيض هم «الاخوان» أنفسهم. لقد جاء إلى السلطة رئيس منتخب من جماعة «الاخوان» فهلل ملايين المصريين فرحاً في الشوارع. معظمهم فرحوا بهزيمة ممثل النظام القديم (أحمد شفيق) أكثر من فرحتهم بانتخاب مرسي، الذي لم يكونوا قد سمعوا عنه قبل الانتخابات. تفاءل المصريون بأول رئيس مدني منتخب بعد الثورة، ولبى دعوته للحوار ممثلون عن القوى الوطنية والثورية (ومعظمهم على خلاف فكري مع «الاخوان») وأبدوا استعداداً طيباً صادقاً لمساعدته حتى ينجح في تحقيق أهداف الثورة والنهوض بمصر.. بعد أسابيع قليلة اكتشف المصريون للأسف أن الرجل الذي انتخبوه ليس الرئيس الفعلي وإنما هو مرؤوس صغير، لمكتب الإرشاد، وأن من يحكم مصر ليس مرسي وإنما خيرت الشاطر. اكتشف المصريون ان «الاخوان» ليسوا حزباً سياسياً ولا حتى جماعة دعوية وإنما هم طائفة دينية سرية فاشية، تربي أبناءها على التعصب والإحساس بالتفوق على الآخرين واحتقارهم والاستهانة بحقوقهم، وبالتالي يكونون على استعداد لارتكاب الجرائم بدءاً من الكذب والحنث بالعهود وحتى القتل. كل شيء مباح لديهم ما دام يحقق مصلحة الجماعة التي هي عندهم أهم من مصلحة الوطن. كل ما فعله «الاخوان» على مدى عام، يحمل المعنى نفسه ويتم بالطريقة نفسها وينتهي إلى النتيجة ذاتها. «الاخوان» دائماً يقولون حقاً وينفذون باطلاً. يرفعون شعاراً جميلاً براقاً ثم يفعلون ما يضر الشعب والوطن ما دام يفيد الجماعة.. يقيلون النائب العام المتوائم مع مبارك لكنهم بدلا من تعيين نائب عام مستقل يعبر عن إرادة الشعب يعينون نائباً عاماً تابعاً لـ«الاخوان» ليكون أداة في أيديهم يعاقبون به كل من يعارضهم، بينما يفلت «الاخوان» بواسطته من المحاسبة على جرائم بشعة ارتكبوها وكلها مسجلة بالصوت والصورة. يرفع «الاخوان» شعار تطهير الإعلام ثم يأتون بوزير اعلام اخواني يتحرش لفظياً بالنساء ويخضع الإعلام الرسمي لارادة «الاخوان».. يرفعون شعار تطهير القضاء ثم يعبثون بالقانون ليتخلصوا من آلاف القضاة ليبدلوهم بقضاة موالين لـ«الاخوان». لأول مرة في تاريخ مصر الحديث يصدر رئيس الجمهورية إعلانا يضع فيه إرادته المنفردة فوق القانون والدستور ويعطل أحكام القضاء فيحصن مجلس شوري باطل ويحصن لجنة تأسيسية باطلة لتصدر دستورا باطلا ثم يدفع به إلى الاستفتاء ليعطيه مشروعية بالرغم من أحكام المحكمة الدستورية التي تؤكد أن الاستفتاءات لا تطهر الإجراءات الباطلة..في عهد «الاخوان» سقط مئة شهيد برصاص الشرطة وتم اعتقال الآف الأبرياء الذين تعرضوا إلى تعذيب بشع، حتى أن هناك عشرين حالة موثقة لاغتصاب الرجال المعتقلين. كل ذلك لم يزعج مرسي (الرئيس الإسلامي) بل انه عندما قتلت الشرطة أهل بورسعيد وهم يشيعون شهداءهم، ظهر مرسي ليشكر القتلة، ويتوعد الضحايا بالمزيد من القتل ثم يتم قتل الأقباط وإحراق أحدهم حياً في الخصوص والاعتداء على الكاتدرائية بالرصاص والقنابل، فيكتفي مرسي بالاتصال التليفوني للتعزية، بينما عندما يتم ضبط تنظيم لـ «الاخوان» في الإمارات، لا ينام مرسي، حتى يرسل لهم مساعد الرئيس ورئيس المخابرات وهو يفعل ذلك ليس لأنهم مواطنون بل لأنهم «اخوان».. يتم خطف الجنود المصريين وقتلهم في سيناء لكن جماعة «الاخوان» تتهاون في القبض على القتلة والخاطفين إرضاء لجماعات متطرفة يريد «الاخوان» أن يستعينوا بها عند الحاجة.
الصورة الآن واضحة كالشمس. لسنا أمام رئيس فاشل يجوز أن نعطيه فرصة لتصحيح أخطائه، نحن أمام عصابة فاشية تنفذ مخططاً للسيطرة على الدولة المصرية حتى تحتفظ بالسلطة وتمنع تداولها إلى الأبد. كل يوم يمضيه «الاخوان» في السلطة يؤدي إلى ضياع مصر بمعنى الكلمة. في وسط هذا الظلام ظهرت حملة تمرد. فكرة ثورية مبدعة أجمل ما فيها أنها ستؤدي إلى إقصاء «الاخوان» عن الحكم بوسيلة سلمية وديموقراطية… سحب الثقة من الرئيس حق أصيل للبرلمان ولأنه لا يوجد برلمان في مصر الآن، فإن سحب الثقة من الرئيس يصبح من حق الشعب الذي انتخبه. نجحت حملة تمرد في جمع ستة عشر مليون توقيع، وهو عدد أكبر من عدد الناخبين الذي صوتوا لمرسي في انتخابات الإعادة.., بعد نجاح حملة تمرد فإن مرسي، من الناحية السياسية والديموقراطية، أصبح ملزماً بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. لو كان مرسي رئيساً عادياً لاستشعر الحرج من ستة عشر مليون مصري سحبوا ثقتهم منه ولبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة ودعا إلى انتخابات رئاسية مبكرة. لكن مرسي ينتمي إلى «الاخوان» الذين هم على أتم استعداد لأن يقتلوا المصريين ويخربوا الوطن من أجل الحفاظ على السلطة بأي طريقة وأي ثمن. هكذا لم يعد أمام المصريين إلا النزول إلى الشوارع.. يوم «30 يونيو» سيكون موعداً لانعقاد الجمعية العمومية للشعب المصري. المصريون سينزلون إلى الميادين في كل المحافظات. سيعتصمون ولن يعودوا إلى بيوتهم حتى يعلن مرسي تنحيه عن الحكم والقبول بانتخابات مبكرة. لقد أعلنت كل طوائف المجتمع اشتراكها في يوم «30 يونيو»: الفنانون والطلبة والعمال والنقابات المهنية والأحزاب والقوى الوطنية جميعاً، والأهم من ذلك المواطنون العاديون الذين لم تكن السياسة تهمهم من قبل.
مطلبنا الوحيد: انتخابات رئاسية مبكرة، فلا مجال لأي تفاوض مع «الاخوان».
إذا كنتم تحبون مصر وتريدون إنقاذها من براثن هذه العصابة الفاشية. إذا كنتم تريدون دولة محترمة لا تفرق بين أبنائها. إذا كنتم أوفياء لثلاثة آلاف شهيد ماتوا حتى نعيش في بلد حر. إذا كنتم أوفياء لثمانية عشر ألف مصاب دفعوا بدمائهم ثمن كرامتنا. انزلوا إلى الشوارع يوم «30 يونيو» ولا تعودوا حتى تنقشع الغمة عن بلادنا.
انفجروا.. أو موتوا
الديموقراطية هي الحل

صحيفة المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى