جملة اعتراضية| كيف للرئيس أن ينام؟ (علاء الاسواني)

 

علاء الاسواني

كانت الخطة محكمة، اشترك في وضعها رئيس الحرس الجمهوري بالاشتراك مع ضباط كبار في الأمن الوطني.. تم حشد قوات أمن كثيفة أمام الاتحادية للإيحاء بأن الرئيس مرسي موجود في القصر كما ضوعفت الحراسة على منزل الرئيس في الشرقية ما دفع الناس الى الاعتقاد بأن أسرة الرئيس في الداخل. في الوقت نفسه تم اصطحاب الرئيس وأسرته سراً الى «فيللا» من دوريْن في الساحل الشمالي. الغرض من اختيار «الفيللا» أنها مكان منعزل آمن وقريب من مطار العلمين، وبذلك يستطيع الرئيس مغادرة البلاد على متن طائرة الرئاسة في أي لحظة اذا اضطرته الأحداث. خصص الدور الأول بالكامل لإقامة حرم الرئيس وأولادها، بينما استقل الرئيس بالجناح العلوي. دخل الرئيس الى جناحه وهو مرهق. كان قد أمضى يوماً طويلا في اجتماعات لا تنتهي من أجل الاستعداد ليوم «30 يونيو»، حيث أكدت له الأجهزة الأمنية جميعاً أن ملايين المصريين سينزلون الى الشوارع في كل المحافظات ليطالبوا بانتخابات رئاسية مبكرة. خلع الرئيس مرسي ثيابه وارتدى جلبابه الأبيض الذي ينام به، وتوضأ وصلى العشاء، ثم اتصل بمرشد «الإخوان» وتحدث معه ما يقرب من ساعة، استعرضا معاً الأوضاع الداخلية والخارجية وطلب منه المرشد اتخاذ قرارات محددة وخاف الرئيس أن ينسى، فكتب ما قاله المرشد في ورقة وضعها بعناية بجوار السرير. أخيراً، آن لمرسي أن يستريح فمد يده وأغلق نور الجناح، ثم استلقى على جنبه الأيمن كعادته، وقرأ بعض الأدعية، وأغلق عينيه وبدأ شيئاً فشيئاً يستسلم للنعاس. بعد فترة، لم يعرف مرسي إن كانت قصيرة أم طويلة، انتبه على أصوات كالهمس تتردد في المكان. ظل مرسي مغمض العينين وحاول أن يتجاهل ما يسمعه، لكن الهمسات ازدادت حتى انتبه مفزوعاً، ومد يده وأضاء النور فوجد مشهداً غريباً. ظل يحدق لحظات وكأنه لا يصدق. رأى مرسي مجموعة كبيرة من الأشخاص يحيطونه من كل جانب. كانوا جميعاً من الشباب وقد ظهر على وجوههم تعبير واحد كأنهم اتفقوا على أدائه. ابتسامة تقترب من السخرية مع نظرة قوية يتفحصون بها مرسي.. تحول فزع مرسي الى ما يشبه الغضب فهب واقفاً وصاح:
ــ من أنتم وكيف دخلتم الى هنا؟
ـــ اخفض صوتك. أنت أضعف من ان تصيح بهذه الطريقة.
هكذا قال شاب في العشرينيات، ضئيل الجسد شعره مصفف الى الوراء ويرتدى نظارة طبية. كان الشاب يقف في مواجهة مرسي وحوله زملاؤه. تطلع مرسي إليهم فلاحظ لأول مرة أن الشاب بالرغم من ابتسامته ونبرته الواثقة تنتشر على وجهه وجسده جروح شديدة، ولاحظ أيضاً أن الواقفين جميعاً مصابون بطريقة ما. كلهم جباههم أو صدورهم مثقوبة في أكثر من موضع. كانت الثقوب جميعاً كأنما أحدثتها رصاصات. بالرغم من إصاباتهم البالغة كانوا جميعاً يبتسمون ويبدون في حالة مدهشة من الرضى. صاح مرسي من جديد:
ــ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. من أنتم؟
نظروا لبعضهم البعض ثم تكلم الشاب الذي بدا عندئذ وكأنه يتحدث باسمهم:
ــ نحن مئة شهيد قتلتهم يا مرسي.
ــــ أنا لم أقتل أحداً.
ـــ أنت الذي أعطيت أوامر بقتلنا لوزير الداخلية.
سكت مرسي لحظة ثم قال بصوت مختنق:
ــــ أنا لم آمر الوزير بالقتل. البلد في حالة الفوضى وقد أفتى علماء دين ثقات بأن الشرع يسمح بإجراءات حازمة من اجل استعادة الأمن.
ابتسم الشاب وقال:
ــ يامرسي نحن نعرف ديننا أفضل منك وهو يحرم قتل الأبرياء. أنت لم تستشر أحداً سوى مرشد «الإخوان» الذي تنفذ أوامره. سوف يحاسبك الله على قتلنا، ولن ينفعك مرشد «الإخوان» يوم القيامة. حاول مرسي أن يتكلم لكن الشاب أشار بيده المجروحة وقال:
ــ نحن لم نأت لكى نسمع كلامك الفارغ. كل واحد فينا شاهد على جرائمك. هل تعرفني يا مرسي؟
لم يرد مرسي فاستطرد الشاب قائلا:
ــ اسمي محمد نبيل عبد العزيز الجندي. كنت أعمل مرشداً سياحياً. اشتركت في الثورة وتم القبض عليّ في يوم «25 يناير» الماضي. صاح الضابط في وجهي إن أمي عاهرة فرددت عليه قائلا: لا أسمح لك أن تمس أمي بكلمة واحدة. غضب الضابط وأرسلني الى معسكر الأمن المركزى في الجبل الأحمر وقال للمخبرين: لا أريد أن أراه مرة أخرى.. تعرضت للتعذيب البشع حتى استشهدت، ثم ألقيتم بي أمام سيارة، وكذبتم يا مرسي، فقلتم انني مت في حادثة. كل هؤلاء زملائي الشهداء كريستي وجيكا والحسيني والآخرون.. أنت قتلتنا جميعا. دمُنا في رقبتك يامرسي.
ــ ماذا تريدون مني؟
هكذا صاح مرسي بصوت متقطع.. أجاب الشاب وهو محتفظ بهدوئه:
ــ طبعاً عارف أن أيامك في الحكم معدودة.
ــ لا يملك أحد إجباري على ترك الحكم.
ـــ أنت تعاند الشعب مثلما عانده مبارك، وقريباً ستلقى مصيره نفسه.
صاح مرسي:
ــ أنا غير مبارك. الشعب يحبني ويؤيدني كما يظهر في كل المناسبات.
تعالت ضحكات الشهداء وقال الجندي:
ـ أين الشعب الذي يحبك؟ 15 مليون مصري وقعوا على حملة تمرد وسحبوا الثقة منك. أنت تحشد أتباعك في "الأوتوبيسات" ليهتفوا لك أمام الكاميرات. ألا تخجل من تكرار نفس المسرحيات السخيفة نفسها التي كان مبارك يعملها. اذا كان الشعب يحبك فلماذا أنت مختبئ هنا؟
ــ أنا لست مختبئاً. هذه إجراءات أمن حتى أحبط مؤامرات فلول النظام السابق.
ــ كف عن ترديد هذه الخزعبلات. هل تخدع نفسك أم تخدعنا؟ الفلول، أنت تحالفت معهم وقد خرج معظمهم من السجن برعايتك، بينما الثوار تلقي بهم في السجون. الشعب أصبح يكرهك يا مرسي ويكره "الإخوان". الشعب اكتشف حقيقتكم يا تجار الدين.
ــــ احترم نفسك.
ـــ لو كنت احترمت وعودك لكنا احترمناك. اسمع يا مرسي. لم نأت هنا لنخلعك. هذا ليس دورنا. الشعب هو الذي سيخلعك من السلطة.
قال محمد الجندي:
ــ لن نفارقك أبداً يا مرسي. نحن عقابك في الدنيا عن الجرائم التي ارتكبتها. ستظل دائماً ترى أدمغتنا المثقوبة بالرصاص وصدورنا الممزقة وجلودنا المنزوعة من أثر التعذيب. سوف تظل تستمع في كل لحظة الى عويل الأمهات اللاتي قتلت أبناءهن وإلى صرخات ضحاياك وهم يعذبون في سجونك.
وضع مرسي يديه على أذنيه وراح يصيح:
ــ اسكتوا. اسكتوا.
قال الجندي بانفعال:
ــــ لن نسكت أبداً يا مرسي. سنصاحبك ما تبقى من عمرك. ستستمع الى صرخات ضحاياك الذين صعقهم رجالك بالكهرباء واغتصبوهم. لن تنقطع عن سمعك صرخات المعذبين لحظة واحدة.
ــ هذا جنون. أنا لا أسمح لك أبداً. فاهم؟
هذه المرة كان صوت مرسي مرتفعاً للدرجة التي جعلت ضابط الحراسة يدق الباب ويدخل مسرعاً وقد أشهر مسدسه.. تطلع في أنحاء المكان ثم قال:
ــ خير يافندم؟
نظر مرسي اليه وقال:
ــ هناك أشخاص تسللوا الى الجناح.. إقبض عليهم.
تطلع الضابط حوله وقال بدهشة:
ــ سيادة الرئيس لا يوجد أحد في المكان إلا سيادتك. إجراءات التأمين كاملة ومحكمة.
ارتفعت ضحكات ساخرة من الشهداء وقال محمد الجندي:
ــ يا مرسي جزء من عقابك ألا يرانا أحد سواك. إن لم تسكت سوف يظن الضابط أنك تعاني من هلاوس.
انتزع مرسي ابتسامة وقال للضابط:
ـــ أشكرك. يبدو أنني مرهق. سأحاول النوم.
أدى الضابط التحية العسكرية وخرج وما أن أغلق الباب حتى ارتفعت صرخات المعذبين من جديد. صرخات حادة تنم عن الآم لا تطاق أعقبتها استغاثات ثم بدأ مرسي يستمع الى أصوات متوسلة وجمل منكسرة "حرام عليكم. أبوس يدك ياباشا ارحمني". "ماتعذبونيش أنا انسان لي كرامة"، "أبوس ايديكم ما تعملوش فيا كده. موتوني أحسن". استمر الصراخ وراح الشهداء يطوفون حول مرسي بلا انقطاع وهم يشيرون الى أجسادهم الممزقة وأدمغتهم المثقوبة بالرصاص..
ضغط مرسي على الجرس بقوة فهرع اليه الضابط وقد بدا عليه القلق. تردد مرسي قليلا وقال:
ــ استدع الطبيب فوراً.
ــ يادكتور أريد منوم قوي. أرجوك لاتتركني حتى أنام.
يا دكتور الحبة ليست فعالة. اعطني حقنة. لازم أنام فوراً. لا أريد أن أسمع شيئاً.
أعطاه الطبيب الحقنة وأغمض مرسي عينيه، لكنه ظل يرى أجساد الشهداء ويستمع الى صرخات المعذبين.
كيف لمرسي أن ينام..؟
الديموقراطية هي الحل

صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى