جمهوريات حائرة (وائل عبد الفتاح)

 

 
وائل عبد الفتاح

ــــ1ــــ

بعد الاستعمار تأسست الجمهوريات بمشاعر: «نستطيع ان نحكم انفسنا».
ورغم ان جمهوريات «التحرر الوطني» لم تغادر «الشرعية المعطوبة « للدولة الحديثة (الموديل الغربي للدولة القومية/بقلب مملوكي/وعداء للغرب/ورعاية منه في الوقت نفسه)… الا ان التأسيس على ارادة الحكم الذاتي منح «نفسا» ليس طويلا/ومعنى أكلته السلطوية… وهذا ماتفتقده حتى الآن لحظة تأسيس جمهوريات ما بعد الثورات/والمقصود بالطبع مصر وتونس/حيث ما زال «التأسيس» بعيدا/ومن مرحلة انتقالية الى أخرى يبدو الرهان على فشل فرق «القفز» الى السلطة/هو كل ما لدى القوى «الحالمة»/في مواجهة حرب بين القوى «الحاكمة».

ــــ 2 ــــ

هكذا بين الانتقال والتأسيس تبدو الجمهوريات الجديدة حائرة/بمنظريها وآلهتها الكبار/حيث يبدو كل منهم في «خلوة زمنية» يؤسس عليها خطابه… بعضهم يستدعي الاستقلال الوطني من «الناصرية» من دون مداه الاخير حيث تتوقف العروبة عند حدودها الخليجية/والعداء مع اميركا الى «استعراضات الإثارة التلفزيونية»،
البعض الآخر سلطويته انيقة ويملك خطابا يعتبره الدليل الحاسم على» تغيير الواقع…» /وهؤلاء يرون ان الديموقراطية ستصبح واقعا بمجرد اعادة توصيف المشهد الحالي/بكامل ارتباكه ودمويته وفق توصيفات أخرى مستوردة حديثا ومبتكرة… لايهم هنا انها تصف الواقع نفسه/وتشرح الجثة نفسها.
هذه «الخلوات الزمنية»بماضويتها ومستقبليتها/سبب الحيرة/فكيف يقيم السلطوي دولة ديموقراطية؟ وكيف يمكن التحرر من اميركا من دون مراجعة التحالف الاستراتيجي معها…؟ اما الديموقراطية فكيف تتأسس وهدير «الثوابت « و«الهويات « القادمة من كهوفها الدينية تجتاح الغارات المبنية كلها على الخوف من الاخوان ذلك «العدو الاليف» الذي كان الانتقال الى مرحلة أخرى مبنيا على فشله في الحكم/لكنه يتحول في الوقت نفسه الى مبرر العودة الى ما قبل 25 يناير/تلك العودة المستحيلة.

ــــ 3 ــــ

السؤال الآن: ماذا بعد ؟ ماذا سيحدث؟
يلخصه الخائفون: من سيحكم؟
سؤال في طياته يؤسس لجمهورية «المنقذ» /منتزعا حلم جمهورية جديدة تمنع التسلط والوصاية/الى جمهورية تنظف آثار «المباركية « لكنها تحمي «دولته»…
وهل هناك امل الا باصلاح «الدولة « حتى لو كان تأسيسها معطوبا؟
بمعنى ان افضل ما يمكن ان تقدمه تركيبة 30 يونيو (حزيران) في مصر مثلا/هي ازالة آثار العدوان الاخواني/ومنع الطيور الجارحة من استخدام شعبية السيسي سلاحا في حرب عودتها.
ليس المهم هنا «من سيحكم»… ولكن «المهمة التي يحكم بها»… والتحديد هنا سيقلل من الحيرة.
غالبا المؤسسة العسكرية لن تقدم احداً بشكل مباشر/لكن احدا لن ينجح من دون مباركتها/فالمهمة ستعتمد على توازن ما بين دور القوة المسلحة وسطوتها… بمعنى آخر بين تجاوز آثار العدوان على «الدولة» من «العدو الاليف» وحلفه الداخلي والراعي الدولي وبين الحفاظ على مساحة الحريات والحقوق التي تسمح بتأسيس «مجتمع».
الحيرة مصدرها اوهام تزغلل الطموحات والاحلام بأن هذه لحظة «تأسيس سلطة»… وهذا كان مقتل الاخوان والاسلاميين… وسيكون هذه المرة مقتل الدولة/لا الثورة فقط.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى