حرب القبور وحروب التكفير والتخوين (طاهر عدوان)

طاهر العدوان

 

شهدت ليبيا الشهر الماضي هجمات شنها سلفيون على مساجد تضم مقابر ( لشيوخ وأولياء ) بعض المذاهب الصوفية وقاموا بنسفها وتدميرها ، هذه العملية أثارت ازمة بين الحكومة وبالتحديد وزير الداخلية وبين المجلس الوطني ، الوزير اطلق على ما جرى وصف حرب القبور ، التيارات السياسية الليبية انقسمت بين موقفين : الاول وجه اللوم للحكومة لانها لم تستخدم القوة ضد المهاجمين . والثاني طالب باحتواء الموقف بالحوار باعتبار السلفيين جزءا من النسيج الليبي وانه اذا كان من حقهم الاختلاف الفكري لكن ليس من حقهم استخدام القوة لفرض هذه الأفكار على الناس .
من متابعتي لردود الفعل في ليبيا وجدت ان هناك وعيا متزايدا بين الليبيين بان الحل الأمني لوضع حد لانتشار السلاح والمسلحين وتجاوزاتهم هو بالإسراع في وضع الدستور وإقامة حكومة منتخبة قوية . اي اقامة الدولة المدنية الديموقراطية . واعتقد ان هذه هي المعضلة في كل من مصر وتونس ، فإذا كان الهدف اقامة النظام الديموقراطي فان الدولة الدستورية القوية هي الأداة لتنفيذ هذا الهدف.
تونس تنتظر دستورها وكذلك مصر ، والى حين يتحقق هذا تدور جدالات واحيانا مواجهات وصدامات بين تيارات متعددة تصطف في خندقين متواجهين ، واحد يرى ان الدولة المقبلة مدنية لكن باطنها ديني ويمثل الاخوان في مصر والنهضة في تونس هذا التيار ، وآخر يرى ان تكون الدولة مدنية بروح علمانية حداثية ويمثل هذا التيار الاحزاب الثورية والوطنية في البلدين. وبين هذين التيارين يدور جدل فكري وسياسي يثري الحياة السياسية لما يتميز من صراحة وشفافية ، فكل طرف يقدم ما لديه من مفاهيم دستورية وقانونية للدولة المدنية المنشودة ، لكنهما يجمعان على اهمية دور الدولة في القيادة والتوجيه وفي اهمية ان تكون قوية في تطبيق القانون ، في مصر كان هناك إجماع على فرض السلطة والسيادة على سيناء بعد مقتل الجنود المصريين وفي تونس اتفق المرزوقي والغنوشي على تمديد قانون الطوارئ شهرا اخر في مواجهة اعمال متطرفة ضد حرية الاعلام والسياحة .
بين هذين التيارين تيارات اخرى صغيرة ظهرت مع الربيع العربي ولا تقتصر على بلد دون اخر ، تيارات فئوية وإقليمية ويسارية وقومية متطرفة بالاضافة الى مجموعات لا تعد وتحصى من الجماعات الدينية وممتهني الفتاوى . تلتقي جميعا رغم تناقضاتها واختلافاتها على اسلوب واحد هو التكفير والتخوين . حرب القبور في ليبيا وإرهاب المتطرفين باسم الدين في تونس وفتوى الشيخ هاشم اسلام بقتل المتظاهرين في مصر هي أمثلة على نهج التكفير .
ان دعوات الحرب على التيارات الاسلامية والدعوة الى إقصائها عن العمل السياسي من قبل يساريين وقوميين ومحافظين واتهام هذه التيارات بالخيانة والارتباط بالإمبريالية وترديد نظريات المؤامرة بكل تراثها البائس الذي استخدمه الطغاة والديكتاتوريون لاستعباد رقاب شعوبهم هي مثال على نهج التخوين . اما ما يجمع تياري الفكر والتخوين فهو العداء للدولة المدنية الديموقراطية والدعوة الى دولة الأيدلوجيات الشمولية صاحبة المهمات الوطنية والدينية ( المقدسة) فيما هي بالتجربة التاريخية مفسدة للحكام والشعوب وبؤرة للشر والطغاة .
الاحزاب الدينية موجودة في معظم دول الأنظمة التمثيلية الديموقراطية . ووصول بعضها للحكم عبر صناديق الاقتراع لم يحولها الى دول دينية ، لوجود دستور ديموقراطي وقوانين ثابته تجسد هوية الدولة . وهذا ما نأمل ان يتحقق في مصر وتونس وليبيا في المستقبل القريب والبعيد لان الديموقراطية تحتاج الى الوقت في البناء والتطبيق لكن المهم ان يكون الأساس صحيحا بدون إقصاء ولا تخوين ولا تكفير .

صحيفة الرأي الأردنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى