حركة «تمرد»… و«30 يونيو» (جيمس زغبي)

 

جيمس زغبي

يوافق يوم «30 يونيو» المقبل، مرور عام على تولي الرئيس محمد مرسي مهام منصبه رئيساً لمصر. وهو أيضاً اليوم المحدد لانطلاق تظاهرات في مختلف أنحاء مصر، احتجاجاً على أسلوب قيادة «الإخوان» الذي يزداد سلطوية على الدوام، وعلى الدور الذي يلعبونه في «مصر ما بعد التحرير».
والحركة المنظمة لتظاهرات «30 يونيو» هي حركة «تمرد» التي قامت حسب آخر التقارير بجمع ما يزيد عن 15 مليون توقيع على الأقل، على استمارات تعزيزاً لحركتهم الاحتجاجية، كما تعقد اجتماعات تنظيمية في مختلف أنحاء مصر استعداداً لليوم المرتقب. وهناك توقعات قوية بأن «تمرد» ربما تستنسخ سيناريو الأحداث التي أدت لتغيير نظام الحكم في مصر في كانون الثاني/ شباط 2011.
ويتعين الانتظار لمعرفة ما إذا كانت هذه الحركة ستنجح أم ستخفق، ولكن النجاح المبكر الذي حققته، يعكس حقيقة أن حكومة «الإخوان» تواجه ورطة عويصة في الوقت الراهن. فقد كشف استطلاع رأي أجرته مؤخراً «خدمات زغبي للأبحاث» وتم خلاله استطلاع آراء 5029 مصرياً، أن «الإخوان» وحكومتهم وحزبهم قد عانوا جميعاً من خسارة جسيمة في الدعم والشرعية التي كانوا يتمتعون بها. ففي الوقت الراهن، هبط ذلك الدعم إلى نسبة متدنية لا تزيد عن 28 في المئة ينتمي معظمها إلى تلك الفئة التي تتماهى مع حزب «الإخوان». وعلى رغم القاعدة الضيقة للدعم، فإن «الإخوان» وحزبهم ما زالت بأيديهم معظم أدوات سلطة إصدار القرار في المجالات التنفيذية والتشريعية، وهم يستخدمون تلك الأدوات لقمع الصحافة، والمجتمع المدني، ومعظم أشكال الخلاف والشقاق. وبالإضافة إلى ذلك، هناك علامات مقلقة على وجود نية للمزيد من التمدد والتجاوز من جانب مؤسسة الرئاسة. ونتيجة لذلك يعبر ما يزيد عن 70 في المئة من الناخبين في الوقت الراهن عن قلقهم من أن «الإخوان المسلمين ينوون أسلمة الدولة والسيطرة على سلطاتها التنفيذية».
وما تكشف عنه نتائج البحث الذي أجرته «خدمات أبحاث زغبي» هو لوحة لـ«مصر ما بعد التحرير» التي تواجه أزمة واستقطاباً عميقاً بين ناخبيها. ويبين استطلاع الرأي المذكور أن جماعات المعارضة الرئيسة (جبهة الإنقاذ وحركة السادس من أبريل) معاً لديها قاعدة دعم محتملة أكبر من الحزب الحاكم وأنصاره. والمعارضة على رغم حقيقة أن «الإخوان المسلمين»، وحزب «النور» السلفي قد تفوقا عليها في الانتخابات التي أجريت حتى الآن، تستطيع ادعاء أنها تتمتع بدعم 35 في المئة من السكان. أما نسبة 40 في المئة تقريباً المتبقية من السكان، فعلى رغم تبنيها لآراء سياسية مطابقة تقريباً لتلك التي تتبناها المعارضة، إلا أن الشيء الظاهر بوضوح هو أنه لا توجد لديها ثقة لا في الحكومة، ولا في أي حزب من أحزاب المعارضة. ويشكل هؤلاء ما يطلق عليه «الأغلبية الساخطة».
وفقدان الثقة في الحكومة يمكن تبينه من الإجابات على كل سؤال من الأسئلة التي تم توجيهها في إطار استطلاع رأي «خدمات زغبي للأبحاث»، ما يبين أن الأغلبية الساحقة من المصريين تعبر عن عدم موافقتها على «الإخوان المسلمين»، وعدم رضاها على سياستهم وأدائهم في صياغة وتبني ما ينظر إليه على أنه «عملية صوغ دستور معيبة»، أو في تقديم فرص اقتصادية، أو توفير الخدمات المطلوبة، أو ضمان الحريات الشخصية، والمحافظة على أمن البلاد. ففي كل مجال من هذه المجالات تقريباً عبر ربع أعداد الناخبين عن درجة ما من الموافقة على تصرفات الحكومة، في حين عبر ثلاثة أرباعهم عن عدم موافقتهم. وفي كل حالة تقريباً كانت الموافقة على تصرفات الحكومة وسياساتها تأتي من أعضاء جماعة «الإخوان» أو المتعاطفين معها، في حين يتحد باقي السكان في رفضهم لسياسات الحكومة، وتصرفاتها.
والشيء الذي يتبين بوضوح تام من خلال الاستطلاع المذكور هو أن المعارضة تعاني من أزمة في القيادة والتنظيم. فمن بين الشخصيات المصرية الحية التي غطاها استطلاع «خدمات زغبي للأبحاث» (بما في ذلك جميع الذين شاركوا في انتخابات الرئاسة أو الذين يقودون أحزاب المعارضة) لا توجد هناك شخصية ينظر إليه على أنها موثوق بها من قبل ما يزيد عن ثلث عدد الناخبين (تبين أن معظمهم ينظر إليه على أنه موثوق به من قبل ربع عدد الناخبين فحسب).
والملفت أن باسم يوسف المذيع التلفزيوني الساخر والذي وجهت له الحكومة تهمة «إهانة الرئيس والإسلام» هو فقط الشخصية التي ينظر إليها على أنها موثوق بها من قبل أغلبية المصريين.
وعلى رغم أن غالبية مؤيدي أحزاب المعارضة و«الأغلبية الساخطة» يودون أن يلعب الجيش دوراً أكبر، إلا أنه لا يوجد دعم عام وشامل لتدخل الجيش في الحياة المدنية.
والاقتراح الوحيد الذي يلقى دعماً بالإجماع من جميع المجموعات هو ذلك المتعلق بـ«إجراء حوار وطني حقيقي» على رغم أنه يتعين الانتظار لمعرفة ما الذي يمكن لمثل هذا الحوار أن يحققه، في ضوء الاستقطاب الحاد الموجود في البلاد في الوقت الراهن.
وهكذا يمكن القول إنه بعد عام على فوز «الإخوان» بالانتخابات تجد مصر نفسها في أزمة. فالاقتصاد في حالة يرثى لها، وحقوق الأفراد آخذة في التآكل، والحزب المدعوم من قبل أقلية يتحكم في السلطة، وفي مجتمع سياسي مصاب بحالة من التصدع العميق. وفي هذه الساحة، تبرز حركة «تمرد» ومحاولتها لتوحيد المعارضة، وتنظيم «الكتلة الساخطة» في مجهود أخير لإحداث التغيير المطلوب.
وسيتعين الانتظار لرؤية ما الذي سيحمله «30 يونيو» معه؛ ولكن بصرف النظر عن النتيجة فإن ذلك اليوم سيكون يوماً مشهوداً في تاريخ التطور السياسي المعاصر لمصر.

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى