في المرّة الأخيرة التي التقينا فيها السيناريست الفلسطيني السوري حسن سامي يوسف (1945 ـــــ 2024)، لم يكن الموت بعيداً لأنّ المصادفة شاءت أن يكون اللقاء في عزاء الراحل عبد اللطيف عبد الحميد! بدا حينها كأنه زهد بالحياة وصارت مغادرته لها مجرّد وقت.
للمرة الأولى بدا كأنه فقد رغبته مطلقاً في الاستمرار، وسيطر عليه الحنين إلى الذكريات مع رفاق تركوه ومضواً بعيداً! كان علينا أن نذكّره بالكثير من التفاصيل، وندرك بأن الرجل شاخ! مرّت أسابيع قليلة، وبالفعل انطفأ الكاتب الفلسطيني السوري الشهير في دمشق يوم أمس الجمعة، وشيّع من «مستشفى السلام» وصلّي على جثمانه عقب صلاة العصر في «جامع الماجد» وووري ثرى مقبرة «اليرموك الجديدة».
حسن سامي يوسف
كان حسن سامي يوسف يصف طفولته على طريقة المعلّم تشيخوف فيقول: «لم أنعم بأي طفولة» رغم أن والده كان يملك الكثير من الأراضي والأملاك في فلسطين. لكن الاحتلال الصهيوني استولى عليها وترك العائلة تعيش تشرّدها من مخيّم بعلبك في لبنان. هناك، عاش طفولته وتلقى أوّل هدية من الأونروا عبارة عن حذاء كل فردة بلون! أمر لم يمنعه من انتعاله بغبطة ظلّ يتذكرها طويلاً. لاحقاً، انتقلت العائلة إلى سوريا. وهناك تحسّنت الظروف وتلقّى تعليمه في مدارسها. ولفته مدرّس اللغة العربية الشاعر الراحل شوقي بغدادي الذي ظلّت له مكانة خاصة في نفسه دائماً. تعرّف حسن بفضله إلى الشعر مع المعلّقات، وتأثر بطرفة بن العبد. ثم قرأ المتنبي وجبران ثم تشارلز ديكنز… وسيعشق لاحقاً «شاعر الأرض» محمود درويش الذي سمّاه المتنبي الثاني. لأنّه جسّد في جزء من تجربته، حقيقة المأساة الفلسطينية كما لم يفعل سواه.
بعد تحصيله الشهادة الثانوية. أوفدته وزارة الثقافة السورية ليدرس السيناريو في «معهد السينما لعموم الاتحاد السوفياتي». هناك خبر طعم الحرية والانفتاح أيضا. كما وتعلّم أصول المهنة وبدأ مشوار الكتابة. قدّم مشاريع سيناريوات. ثم كان عليه أن يقدم سيناريو فيلم روائي طويل مشروعاً للتخرج. وبعد عام واحد من تخرّجه وعودته إلى دمشق، كتب سيناريو شريطه الأول «الاتجاه المعاكس» (1975) الذي أخرجه مروان حداد. ثم سيناريو «اللعبة» وهو فيلم قصير أخرجه هيثم حقي. وكتب أيضاً «يوم في حياة طفل» لمأمون البني الذي حاز «التانيت الذهبي» في «مهرجان قرطاج» في عام 1980. بعد ذلك، سيطرت على الكاتب نزعة الاتجاه نحو العمل الأدبي لأنه أراد أن يحمل عمله توقيعاً واحداً باسمه وحده، من دون كل الأسماء التي تظهر على الفيلم السينمائي.
هكذا أنجز حسن سامي يوسف روايته الأولى «الفلسطيني» وأتبعها بستّ روايات أخرى هي حصيلة نتاجه الأدبي. لكن كتابة الرواية وحدها لم تستطع أن توفّر له ظرفاً مادياً مستقراً، فبحث عن عمل لا يتعارض مع مشروعه الأدبي.
حسن سامي يوسف في مجال السيناريو التلفزيوني
هكذا كانت بداياته في مجال السيناريو التلفزيوني مع مسلسل «شجرة النارنج»، تلته مجموعة مسلسلات أنجزها منفرداً قبل أن تبدأ شراكته مع نجيب نصير، وما نتج منها من أعمال حقّقت نجاحاً مدوياً في الوطن العربي: من «نساء صغيرات» (1999 ـــ إخراج باسل الخطيب)، إلى «أسرار المدينة» (إخراج هشام شربتجي ــــ 2000)، إلى مسلسل «قبل الغروب» (2002 ــــ إخراج فهد ميري) ثمّ «أيامنا الحلوة» (2003 ــــ إخراج هشام شربتجي)، و«الانتظار» (2006 ـــــ إخراج الليث حجو )، و«زمن العار» (2009) و«فوضى» (2017 ــــ إخراج سمير حسين). ورغم الترحيب الكبير الذي لقيه، إلا أن يوسف يرى أنّ أفضل ما كتبه للتلفزيون بشراكة نصير، كان «حكاية خريف» (2004) لكن ما حصل أنّ العمل أنتجه التلفزيون السوري ولم يحالفه الحظ من ناحية الإنتاج ولا من جهة التسويق.
في مجال السينما
عموماً ورشة السيناريو الثنائية تلك لم تثنه عن الاستمرار في الكتابة منفرداً للسينما: وقّع «سبع دقائق إلى منتصف الليل» (2008) و«بوابة الجنة» (2009) عن رواية له تحمل العنوان نفسه، إضافة إلى مسلسلين هما «الغفران» (2011 ــــ إخراج حاتم علي عن روايته «رسالة إلى فاطمة») و«الندم» (2016 ــــ إخراج الليث حجو) الذي لقي قبولاً كبيراً بين الجمهور السوري باعتباره يحكي حال الناس في الحرب ويقدم قسطاً من منطق عيشهم تحت ويلات الحرب!
منذ سنوات لم تعد أعمال حسن سامي يوسف «شيخ الكار» ترى النور. من بينها مسلسل «الأمير الأحمر» الذي كان يفترض أن يحكي سيرة المناضل الفلسطيني أبو حسن سلامة بعدما تراجعت شركة «الصباح» عن إنتاجه. كذلك، اشترت شركة «سورية الدولية» حقوق مسلسل له كان يفترض أن يخرجه جود سعيد. لتعود الشركة وتعدل عن قرارها بطريقة اعتباطية من دون إيضاح الأسباب.
وقد سبق للكاتب الفلسطيني السوري أن شكا وصوله إلى مرحلة العاطل من العمل على صفحته على الفايسبوك. وليس غريباً على بلاد الفقر والفساد والعتم أن توصل عرّاب الكتابة التلفزيونية وأستاذها إلى مرحلة البطالة!
صحيفة الاخبار اللبنانية