حقوق الإنسان .. ورهان السلام (جيمس زغبي)

 

 
جيمس زغبي

يجتمع المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون في الفصل الأخير من ملحمة محادثات السلام التي دامت لعقود ولكن على نحو متقطع. ومع عدم وجود تسريبات، وحتى في ظل قدر ضئيل من التفاؤل، إلا أن التكهنات تدور حول كيفية سير المحادثات أو ما إذا كان من الوارد التوصل إلى أي اتفاق.
وهنا، في الولايات المتحدة، ينهمك مؤيدو الفلسطينيين في مناقشات ساخنة في بعض الأحيان، حول ما يجب أن تشتمل عليه «الصفقة» أو ما إذا كان عدم التوصل إلى اتفاق هو النتيجة الأفضل – حيث إن ذلك قد يؤدي حتماً إلى حل الدولة الواحدة. وهذه المناقشة بأكملها ليست فقط غير ذات جدوى، ولكنها أيضاً إهدار للطاقة وتهرب من المسؤولية.
وهذا طبعاً لا يعني القول إن نتيجة المحادثات غير ذات أهمية. بل لعله اعتراف بحقيقة أن الحل النهائي للصراع لن يتأثر بنقاشاتنا. وبدلاً من استنفاد طاقتنا في مناقشة ما لا نستطيع السيطرة عليه، ينبغي أن نركز اهتمامنا على ما يمكننا القيام به لتسليط الضوء على الممارسات الظالمة اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وكذلك حشد الدعم لأولئك الذين يتعرضون لانتهاكات حقوق الإنسان. وهنا يمكن أن يظهر تأثير جهودنا.
وهناك جماعات حقوق إنسان في إسرائيل تشارك الجهود في هذا المضمار. وهذه الجماعات تقوم بتوثيق: حالات مصادرة الأراضي وهدم المنازل؛ وأحوال السجناء المحتجزين بدون اتهامات أو محاكمة؛ وممارسة عصابات المستوطنين التي تقوم بتدنيس المساجد، وقطع أشجار الزيتون، وقتل أو ضرب الشباب الفلسطينيين؛ والحالات التي يستخدم فيها جيش الاحتلال العقاب الجماعي والقوة المفرطة ضد المدنيين الفلسطينيين.
إن ضحايا هذه التصرفات غير القانونية وغير الأخلاقية يستحقون اهتمامنا. كما ينبغي تبني قضاياهم والتعريف بأسمائهم ومساندتهم حتى ينتهي الظلم الواقع عليهم.
ومنذ 36 عاماً قمنا بتدشين حملة حقوق الإنسان الفلسطينية. ولأن أياً من جماعات حقوق الإنسان القائمة لم تتبن القضايا الفلسطينية، فقد أخذنا على عاتقنا مسؤولية تبني حالات فردية من الفلسطينيين الذين تم تعذيبهم وهدم منازلهم واحتجازهم لفترات طويلة من الزمن من دون توجيه أي تهم إليهم، أو الذين طردوا من وطنهم.
وفي ذلك الوقت، دار نقاش أميركي حول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وكان المفهوم المروج له عن الإسرائيليين إيجابياً، وكان الفلسطينيون غير معروفين. وكان الأميركيون يعرفون فقط الإسرائيليين كأناس حقيقيين لهم آمالهم ومخاوفهم. وعلى الجانب الآخر، يتم تقديم الفلسطينيين، إما في صورة أنماط سلبية، أو كمجرد مشكلة ينبغي حلها. وكنا نأمل أن نتمكن من علاج هذا الوضع، من خلال إبراز الوجه الإنساني لقضية الشعب الفلسطيني.
وكان العديد من جماعات الدعم العربية الأميركية والفلسطينية التي كانت موجودة في ذلك الوقت، تشارك في نقاشات لا نهاية لها حول القضايا التي لا تملك السيطرة عليها، والتي تبحث عن «الخط السياسي» الأصلح، أو ما يجب أن يكون عليه شكل الحكم في الدولة الفلسطينية في المستقبل.
وفي ذلك الوقت أيضاً، كان جزء كبير من اليسار الليبرالي الأميركي صامتاً إلى حد كبير، في ما يتعلق بالقضايا الفلسطينية. أما أولئك الذين كانون يعملون، فقد ركزوا جهودهم حول إقامة «حوارات» في محاولة يائسة لتعزيز المصالحة بين العرب واليهود.
وعندما تم تدشين حملة حقوق الإنسان الفلسطينية، كان يتم التنديد بنا من قبل الجماعتين. فمن ناحية، قيل لنا إنه قد «تمت خيانتنا» لأننا تغاضينا عن المناقشات الأيديولوجية ولم نكن من «النقاء» بما يكفي. وقد أبقتنا جماعات السلام على مسافة، قائلة إننا بنقدنا لإسرائيل، جعلنا الجماعات اليهودية دفاعية ومنزعجة، وبالتالي فهي ستحبط أي محاولة لإقامة حوار «بلا أخطاء». وبعد مرور ثلاثة عقود، لا يزال الوضع الآن إلى حد بعيد على حاله.
إن النقاش الدائر حول إقامة دولة واحدة أو دولتين يحتدم من جانب واحد، فالليبراليون، الذين يتبنون حالياً حل الدولتين، ما زالوا يتحاشون أي جدل ويرفضون مناقشة قضية حقوق الإنسان الفلسطينية. وقد أهدر الجهد السابق الوقت والطاقة، وفي الوقت ذاته لا تزال معاناة الفلسطينيين غير معروفة وحقوقهم لا تزال تنتهك أيضاً.
وما دامت معاناة الفلسطينيين غير معروفة، فإن الخطاب الأميركي حول السلام سيظل من جانب واحد. وعند تقديم «الإنسانية» الإسرائيلية في مواجهة «المشكلة» الفلسطينية، ترى من يفوز؟ إذا كان الأميركيون لا يستطيعون رؤية أو التعرف على الفلسطينيين: الذين فقدوا منازلهم وأرضهم؛ والذين تتم مضايقتهم في نقاط التفتيش أمام أطفالهم؛ أو الذين تعرضوا للتعذيب وحرموا من حقوقهم الأساسية كأسرى، إذن فكل الذي سيهتمون به هو ضمان الأمن للإسرائيليين.
ولتصحيح هذا الوضع، فالمطلوب هو تبني العدل وحقوق الإنسان، أو كما يقول الدكتور إسرائيل شاحاك، (مؤسس الرابطة الإسرائيلية للحقوق الإنسانية والمدنية) إن المطلوب هو «النضال من أجل حقوق متكافئة لكل البشر».
وسواء تمت إقامة دولة واحدة أو دولتين، فهذا ما سيقرره المفاوضون في النهاية. ولكن في الوقت نفسه، ماذا عن الضحايا؟ من سيتكلم بالنيابة عنهم؟ من سيعطي هؤلاء الأمل في أن تسمع صرخاتهم من أجل العدالة؟ ومن سيخبر الرأي العام الأميركي بأن «الإنسانية» الإسرائيلية ليست هي فقط المهددة في غياب السلام؟ في الواقع، إن الفلسطينيين هم الذين دفعوا وما زالوا يدفعون الثمن غالياً في هذا الصراع.
إن إدراك هذه الحقيقة يمثل مكوناً رئيسياً في رحلة البحث عن السلام العادل، لأنه فقط عندما ينتشر الوعي بمعاناة الفلسطينيين وحقوقهم بالشكل الكامل فستشعر الولايات المتحدة بالحاجة إلى الضغط من أجل التوصل إلى سلام متوازن يعترف بحقوق واحتياجات الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى