حكاية جبل الدموع اليابانية، وجبل الوفاء السورية!

في حكاية شعبية يابانية، هناك جبل اسمه جبل الدموع، وقصة هذا الجبل تعود إلى تقاليد قديمة تحتم على الياباني، عندما يبلغ والده أو والدته الستين عاما من العمر، نقله إلى هذا الجبل، وتركه هناك ليموت وحيدا، وفي الحكاية نتعرف على مايفعله الفلاح يوشي عندما تخبره أمه أنها ستبلغ غدا الستين وأن عليه القيام بطقوس تسبق نقلها إلى جبل الدموع..

وفي ثنايا الحكاية الشعبية اليابانية تفاصيل مثيرة ومأساوية وعِبرْ كثيرة، وقد قدّمها أحد الروائيين اليابانيين في رواية جديدة بأسلوب ساحر وتُرجمت الرواية إلى اللغة العربية قبل سنوات لتجعل كل من يقرأها أمام السؤال المحزن: كيف يمكن له أن يفعل ذلك، فينقل أمه أو أباه إلى جبل الدموع المفترض؟!

ومنذ شهرين انقطعت الإعلامية رشا الكسار عن تقديم برنامجي التلفزيوني ” كلام الورق “، ولأنها جزء أساسي من عناصر نجاح البرنامج، وسيؤثر غيابها تلقائيا على أدائنا الأسبوعي في البرنامج، سألتها عن انقطاعها لأعرف أن حالة أبيها الصحية لاتسر صديق، فرشا الكسار، بالنسبة لي: “أميرة المذيعات السوريات”، وتقديمها كمذيعة أهم عناصر نجاح برنامجي.

كان سبب غيابها يعود إلى مرض أبيها الأستاذ محمد الكسار، وهو محامي معروف عند الدمشقيين وأبناء الريف منذ أكثر من ستين سنة، وكان من الطبيعي، أن تكون رشا إلى جانبه مع بقية الأسرة ..

هذان الشهران أخذاني إلى عام 1991 عندما أقعد المرض أمي، وكنت أعيش معها في بيت الأسرة أنا وأخي الصغير طارق ، فكل الآخرين انفصلوا عنّا بسبب الزواج أو السفر، ووجود بعضهم أحيانا لم يكن يكفي..

ويومها، استعدتُ حكاية الفلاح الياباني يوشي، فقد كانت أمه معافاة سليمة الجسد يحتاج هو إليها بدلا من أن تحتاج هي إليه، وعندما أنقذها وأعادها إلى البيت اكتشف اليابانيون أن بقاءها بعيدا عن جبل الدموع ساعد المملكة على تغيير التقاليد بعدما كشف يوشي للملك كيف أنقذ أمه من جبل الدموع !

بقيتُ مع أمي إلى أن أغمضت عينيها في رحلة الأبدية، وشاهدت آخر لحظات مكاسرتها مع سرطان الدماغ وكيف تغلبت عليه وعادت إلى الكلام طالبة الماء، بعد شهر كامل من الصمت، فشربتْ ثم لفظت روحها مرتاحة من رحلة العمر الصعبة!

كانت مبررات انقطاع رشا تستدعي احترامها، فقد اعتزلت كل شيء من أجل الوقوف إلى جانب أبيها ورعايته في مرضه، وبخاصة أنه تجاوز التسعين عاما، فهو يحتاج إلى عناية يومية وإلى مراجعات للمشافي والأطباء ومراكز التصوير والتحليل، وكنت أعرف أنها ستكون معه، ولن تتركه من أجل الظهور في نشرة أو برنامج تلفزيوني ما..

ظلت رشا تقوم على رعاية أبيها تتناوب مع شقيقتيها وأمها المربية المعروفة مكرم الخطيب نظرا لسفر شقيقها الوحيد زميلنا حمدي الكسار في ألمانيا، واستمرت هذه الرعاية بأقصى درجات الوفاء إلى أن انتقل الأستاذ محمد إلى رحمة الله..

بين جبل الدموع، وجبل الوفاء مفارقة مهمة ينبغي أن نبني عليها في علاقاتنا مع آبائنا وأمهاتنا، ولو أن الفلاح الياباني يوشي كان معنا هنا في دمشق، كان عرف جيدا أن حكايته مع أمه في جبل الدموع هي الصورة التي نعتز فيها في بلادنا لأننا تعلمنا أن ثمة جبلا كبيرا نتحلق حوله اسمه ” جبل الوفاء”!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى