ترجّل الشاعر والكاتب المسرحي حكيم المرزوقي (1965 ــ 2024) بعد رحلة طويلة مع الكتابة والعشق للحياة والحرية.
عاش خارج السرب يسبح في مياه نادرة بين دمشق وبيروت ومدن أوروبية، قبل أن يستقر في بلده تونس حيث انطفأ فجأةً مساء الخميس الماضي. ولولا الأصدقاء الذين افتقدوه بعد غيابه ليومين متتاليين لما اكتُشف موته.
وجدوه على كرسيه أمام جهاز الكمبيوتر بصدد الكتابة والقراءة، وهو العالم الذي أخلص له ولم يعرف غيره! وفاة حكيم المرزوقي المفاجئة هزّت الشارع الثقافي، إذ عرفت أعماله الشعرية ومقالاته الصحافية خارج تونس، وتحديداً في دمشق التي سافر إليها في مطلع الثمانينيات ولم يغادرها إلا في 2012.
اختار العيش على يسار السلطة، ولم يستطع الاندماج في الوسط الثقافي الرسمي فيما ظلّ على الهامش وعلى قدر كبير من التهميش. فصاحب الأعمال المسرحية الشهيرة في فرقة «الرصيف» التي أسّسها سنة 1996 مع رفيقة دربه رولا فتال (كانت أوّل فرقة مستقلة في سوريا)، لم يقدّم أي عمل مسرحي في تونس وهو المتوّج بأعلى جائزة في «أيّام قرطاج المسرحية» (1996) عن رائعة «اسماعيل هملت» وغيرها مثل «عيشة» و «ذاكرة الرماد» و«حلم ليلة عيد» و«بساط أحمدي» و«الوسادة» و«قلوب» وغيرها.
عُرضت أعماله في أوروبا وكندا واليابان، وترجمت إلى لغات مختلفة كما نالت عدداً من التتويجات في البلاد العربية وخارجها.
ورغم هذا الانتاج الغزير الذي حقّق نجاحاً واسعاً، لم يجد المرزوقي التقدير الذي كان جديراً به في بلاده. عاش على مدى عشر سنوات منطوياً على نفسه، مُحاطاً بقلّة قليلة من الأصدقاء، معظهم من خارج الوسط الثقافي والفنّي.
وقد عبّر الراحل عن هذه المرارة في حوار مع جريدة «الشعب» (لسان «الاتحاد العام التونسي للشغل» مع الشاعر محمد الهادي الوسلاتي)، فقال: «أنا كثيراً ما أستخدم بصورة عفوية عبارة «انتقلت إلى تونس» بدل عدت أو رجعت، ذلك أني عشت في بلاد عديدة حول العالم بالإضافة إلى دمشق التي شكلّت لي المرجع والمنطلق.
في تونس عشت حالة إحباط وصلت حد الاكتئاب بسبب ظلم ذوي القربى والكم الهائل من التهميش والمحاربة الذي تعرضت له حتى من طرف ما كنت أعتبرهم أصدقاء ومبدعين ومقربين».
برحيل حكيم المرزوقي، سيفتقد شارع الحبيب بورقيبة وزواياه الخلفية وجهاً مألوفاً للعصافير والمتسوّلين ونادلي المقاهي ومرايا الحانات. سيفتقد كاتباً محبّاً للحياة وللبسطاء، مخلصاً لنفسه، منساباً كنهر متدفّق من المحبّة، ساخراً من كل شيء حتى من نفسه أحياناً.
حكيم المرزوقي عشت كفراشة ورحلت كطيف… وداعاً!
صحيفة الأخبار اللبنانية