بدون إعلان تحضيري أو ترويج مسبق، ظهر الرئيس بايدن مساء الجمعة في خطاب حول (الشرق الأوسط) كما سماه البيت الأبيض وأعلن فيه أن (الوقت قد حان لإنهاء الحرب في غزة)، وطرح خارطة طريق مؤلفة من ثلاثة مراحل تفضي إلى إنهاء الحرب واستعادة الرهائن وإعادة الإعمار.
خارطة الطريق هذه ما هي إلا (اقتراح إسرائيلي) سلمه الوسطاء إلى حماس، كما قال بايدن. علماً أن الخبراء يقولون إن بصمات جيك سوليفان واضحة فيه، وبنى بايدن دعوته لتبني الاقتراح الإسرائيلي وإنهاء الحرب على أساس أن (حماس لم تعد قادرة على شن 7 تشرين آخر ضد إسرائيل).
اهم ما لوحظ في خطاب بايدن غياب (اليوم التالي) و(حل الدولتين). يبدو أنه ترك هذين الأمرين الهامين للمفاوضات وهذا ما يجعل الحل المقترح عرضة للعرقلة والتعطيل. الأمر الذي يبقي الحرب مستمرة أو ربما المستدامة، رغم أن بايدن قال ان ما يطرحه هو (اقتراح إسرائيلي)، الا أن مسؤولا إسرائيليا كبيرا صرح للقناة 13 بعد خطاب بايدن بدقائق موضحا إن (بايدن لا يفهم منطقتنا وخطابه ضعيف ويمثل نصراً لحماس) ، ثم صدر عن مكتب نتنياهو تعقيب على خطاب بايدن بأن (إسرائيل لن توقف الحرب حتى تحقق جميع أهدافها).
من جهة أخرى فإن المعارضة الإسرائيلية (لابيد وغانتس) أيدوا الموافقة على ما طرحه الرئيس الأميركي. وبالرغم من عدم وجود رد رسمي وواضح ومباشر من إسرائيل على طرح بايدن، فإن ما توحي به التصريحات الإسرائيلية يوحي برفض تل أبيب لما جاء في خطاب بايدن، وهذا ما يقلل من فرص نجاح طروحاته لإنهاء الحرب، خاصة وأن تل أبيب ما تزال تكابر وما تزال بعيدة عن قبول أي اعتراف بفشلها بتحقيق أهدافها المعلنة.
وإذا كانت إسرائيل قد استوعبت أن فحوى خطاب بايدن العميق تقول بفشلها فإن هذه الفحوى ستثير جنون الحكومة الإسرائيلية وتدفع إلى كارثة رفض الإقرار بالواقع وعدم التجاوب مع إعلان بايدن و خارطته لطريق إنهاء الحرب. حماس ترد على طرح بايدن بشكل إيجابي، مع تمسكها بمطالبها. حيث جاء في ردها على الخطاب أن (الحركة تتجاوب مع أي طرح إيجابي لوقف الحرب وتتمسك بمطالبها في وقف نهائي لإطلاق النار وخروج القوات الإسرائيلية خارج غزة، وعودة النازحين إلى مناطقهم وفك الحصار عن القطاع). كما أن المتحدث الإعلامي باسم حماس في لبنان أكد أن ( الحركة لم تسلم سلاحها في أي حال ). ويبدو واضحاً أن التجاوب الإيجابي من حماس يتمسك بمطالبه التي لا يمكن لإسرائيل القبول بها. فهل يمكن لإدارة بايدن عبر المفاوضات أن تجد صيغة تجعل الطرفين يصلان إلى وقف الحرب. هناك من رأى أن بايدن لم يبلع (حل الدولتين) و(اليوم التالي) فقط بل أراد أن يبلع ما اثبته تحقيق استقصائي للنيويورك تايمز والذي أثبت أن قصف وحرق مخيم اللاجئين غرب رفح نفذ بقنبلة أمريكية، ما يجعل الإدارة الأمريكية شريكة في جريمة إبادة المدنيين العزل.
وعملية البلع التي مارسها بايدن لحل الدولتين ولليوم التالي ولفضيحة جرائم الأسلحة الأمريكية بحق النازحين برفح، هي عملية متسقة مع منصة الخطاب حيث ألقاه بايدن من (غرفة الطعام) في البيت الأبيض دون أن يتعلم من التاريخ أن حقوق الشعوب لا يمكن بلعها. وربما تسبب محاولة البلع هذه اختناقاً تاريخياً وإنسانياً، ولا تقف عند الموت الانتخابي فقط. كثيرون وجدوا أن توقيت الخطاب ومضمونه العام المائع تمت صياغته لأغراض انتخابية تستغل لحظة تعثر ترامب في المحاكم وتضغط على نتنياهو وتؤكد للإسرائيليين لألتزام الإدارة بأمنهم وتفوقهم، و توهم الأمريكيين أن بايدن يحقق إنجازا كبيرا في الشرق الأوسط. فهل تحولت الحرب العدوانية الإبادية التي تقتل الحياة وتبيد البشر في غزة إلى وسيلة انتخابية في تنافس بايدن مع ترامب؟؟ وهل التنافس الانتخابي هو ما أعمى بايدن عن ضرورة التأكيد على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية كأساس للأمن والاستقرار في المنطقة، كما كان يردد بايدن دائما؟؟؟ أم أن حملته الانتخابية بلغت من الاستهتار درجة جعلتها تبيح لنفسها استخدام الحرب الأبادية النازية النازلة على الفلسطينيين في غزة كوسيلة انتخابية لكسب الأصوات؟؟؟ أي ديمقراطية وأي دولة عظمى، هذه التي تقف في غرفة الطعام لتبلع حقوق شعب آخر؟؟!!!!!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة