حماية الخاصرة السورية

لم يعُد لبنان هو الخاصرة الضعيفة التي تتسلّل عبرها المؤامرات لزعزعة استقرار سوريا بحسب النظرية التي سادت منذ منتصف القرن الماضي. أثبتت مجريات الحرب على سوريا أن لبنان بات الظهير القوي لدمشق. كان من شبه المستحيل على الدولة السورية الصمود أمام الحملة الإقليمية والدولية التي أنهكت الجيش السوري طيلة السنوات الخمس الماضية وعطّلت الدولة. ولولا صمود النظام برموزه السيادية، لما رفعت روسيا وإيران الرهان على بقاء بشار الأسد إلى حدوده القصوى، ما قلب المعادلة الميدانية من «حصار دمشق» إلى حصار «داعش» و «النصرة»، في بؤر باتت غالبيتها ساقطة عسكرياً، بفعل الزخم الحالي على جبهات القتال.

صحيح أن الأجواء السورية المزدحمة بجميع أنواع الطائرات الحربية تهدّد بتحول أي خطأ عسكري الى حرب كونية، إلا أن المعارك الدائرة في الشريط الشمالي الضيق بين حلب والحدود التركية تؤكد أن الجبهة منضبطة أكثر مما تبدو عليه. خصوصاً أن التفاهمات الأميركية ـ الروسية التي يرعاها مباشرة الرئيسان باراك أوباما وفلاديمير بوتين تأخذ في الحسبان مصالح شركائهما المتضاربة، بحيث تتيح لهما هامش وضع الخطوط الحمر وتجاوزها، شرط عدم الانزلاق إلى الانفجار الكامل.

من المبكر الحديث عن نهاية الحرب على سوريا، هي مستمرّة وستأخذ أشكالاً متغيّرة، لأهداف مختلفة. فالأهداف التركية والسعودية التي أولويتها إسقاط النظام في دمشق لم تعد واردة حتى بين أشد المطبّلين لها، ولو اكتظت قاعدة «أنجرليك» الجوية التركية بمئات الطائرات السعودية. من الصعب أن تقبل الدولتان العظميان بأن تتدهور علاقتهما الى حرب مفتوحة بسبب أهواء الرياض في مواجهة «طواحين الهواء» الفارسية، أو بسبب خوف الأتراك من الأكراد، الملاحَقِين بلعنة الجغرافيا والتاريخ منذ البدء برسم خرائط الشرق. لا مصلحة لأي من الدول الكبرى في الدخول بصراعات غير محسوبة النتائج، معطوف عليها أزمات تهجير ونزوح، تهدّد بفيضانات سكانية وقيمية، على ضفاف «المتوسط» المقابلة.

وبانتظار هدوء الميدان وانتقال الصخب إلى قاعات التفاوض، تبقى ورقة انتظام عمل المؤسسات اللبنانية معلقة، برغم الدور الإيجابي الذي لعبه لبنان في الصمود السوري. حدود لبنان الشرقية باتت مضبوطة إلى حد ما، ولم تعُد تشكل خطراً معتبراً على الميدان السوري، بل على العكس خطر المجموعات الإرهابية يتزايد على اللبنانيين، ويصبح أكثر تهديداً مع فرار عناصر الإرهابيين الى خارج سوريا. وهنا من الممكن أن يتحوّل لبنان المفكك والمنهَك بسبب عجز مؤسساته حتى عن الحد الأدنى من الإنجاز أو التوافق، إلى «خاصرة رخوة» من جديد، تطيل عمر الحرب السورية وتحرق لبنان بنيرانها. مسار حماية لبنان متلازم مع مسار الحل السوري، من الضروري هنا تفعيل عمل المؤسسات اللبنانية حماية للبنان ولسوريا. هناك هاجس تسليح الجيش وتوفير الغطاء السياسي له ليفرض السيادة على كامل الحدود الشرقية والشمالية. والى الهاجس العسكري، تبقى التعبئة المذهبية هي الخطر الأكبر الذي يسمح بتسلل «داعش» الى لبنان وتحضيره ليكون مسرحاً لحروب جديدة. تحصين لبنان بات ضرورة، والبداية في إنهاء الفراغ الرئاسي. لعبة احتساب الكراسي الفارغة في البرلمان، وعلى فوهة البركان السوري، لم تعُد تحتمل.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى