حنكة السياسة السعودية في اختيار الرياض للقاء الأمريكي الروسي لرسم خارطة العالم الجديدة
ماهر عصام المملوك

تعد المملكة العربية السعودية اليوم لاعبًا رئيسيًا في الساحة الدولية، وقد أثبتت ذلك مجددًا من خلال استضافة اللقاء بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا، ولاحقًا القمة الأمريكية الروسية.
إن اختيار الرياض كمكان لعقد مثل هذا الاجتماع الهام ليس صدفة، بل يعكس الحنكة السياسية السعودية وقدرتها على استثمار موقعها الجغرافي وثقلها السياسي في رسم ملامح المرحلة المقبلة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
أولًا: الخلفية والدوافع
في الموقع الاستراتيجي المحوري الذي تقع فيه المملكة في قلب العالمين العربي والإسلامي، وتمتد بين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، مما يجعلها جسرًا بين الحضارات ومركزًا للتجارة والطاقة.
كما تمتع المملكة العربية السعودية بدور قيادي في العالم الإسلامي من خلال الحرمين الشريفين، والذي تكتسب فيه مكانة دينية رفيعة.
اما بخصوص توازنات العلاقات الدولية فقد استطاعت الرياض الحفاظ بحكمة على علاقات متوازنة مع مختلف القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، وهو ما أتاح لها أن تكون وسيطًا حيادياً مقبولًا للطرفين.
ثانيًا: دلالات اختيار الرياض
اعتراف دولي بالثقل السعودي: حيث يمثل هذا اللقاء اعترافًا دوليًا بأن السعودية أصبحت شريكًا لا يمكن تجاوزه في القضايا الإقليمية والدولية.
كما استطاعت ان يكون لها دور محوري في إدارة الأزمات من خلال استضافة اللقاء الذي يعكس في الحقيقة قدرة السعودية على لعب دور رئيسي في إدارة الأزمات، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعيش تحولات جذرية.
وهذا الأمر يبرز جلياً في اختيار الرياض كمؤشر على تشكل نظام إقليمي جديد تلعب فيه المملكة دورًا رياديًا.
ثالثًا: حنكة السياسة السعودية في إدارة اللقاء
في إبقاء مسافة متساوية بين واشنطن وموسكو، مستفيدة من تنافسهما لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
فاستطاعت حنكة الدبلوماسية السعودية استثمار التحولات الدولية في ظل انشغال الولايات المتحدة بالصراع مع الصين وسعي روسيا لإعادة بناء نفسها، وذلك من خلال تقديم الرياض نفسها كوسيط فعال وقادر على تقريب وجهات النظر.
إن استضافة اللقاء كان كافيا لكي تعزز صورة السعودية دوليا واقليميا كداعم للاستقرار في المنطقة، وتفتح المجال أمامها لتعزيز دورها في الملفات الإقليمية الساخنة مثل سوريا وفلسطين واليمن.
رابعًا: الأثر المتوقع على خارطة العالم الجديدة
وفي إعادة ترتيب التحالفات قد يؤدي اللقاء إلى إعادة تشكيل التحالفات الدولية والإقليمية، مع ظهور دور سعودي متزايد في قيادة المنطقة.
أما بشأن الـدور الاقتصادي المتنامي للسعودية فمن المتوقع لهذا اللقاء وعلى مستوى القمة بين القطبين الأمريكي والروسي أن يعزز من فرص السعودية في جذب الاستثمارات العالمية وتحقيق رؤية 2030، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والسياحة.
اما بخصوص التأثير المباشر على الملف السوري فمن المتوقع أن تلعب السعودية دورًا رئيسيًا في رسم مستقبل سوريا، بما يتماشى مع التوازنات الجديدة.
خامساً :التحديات والفرص
يواجه الدور السعودي تحديات من أطراف إقليمية مثل تركيا وإيران، ومن القوى الدولية التي قد لا ترغب في صعود دور الرياض الذي يعزز من مكانة السعودية كقوة ناعمة وقاسية في آن واحد، ويتيح لها المشاركة في صياغة نظام عالمي جديد أكثر توازنًا.
ولابد من الاعتراف في أن اختيار الرياض للقاء الأمريكي الروسي يعكس حنكة السياسة السعودية المتجلية في أصحاب الشأن والقرار حفظهم الله في توظيف الظروف الدولية لصالحها، ويؤكد على أن المملكة ليست فقط قوة إقليمية، بل أصبحت لاعبًا دوليًا قادرًا على التأثير في صنع القرار العالمي.
ومن خلال هذا اللقاء، يمكن القول إن السعودية ترسم بخطى واثقة ملامح المرحلة المقبلة لخارطة العالم.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة