خامنئي مقابل روحاني: استعراض وجهات نظر متباينة جداً حول الاتفاق النووي

كما كان متوقعاً، كان رد فعل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على الاتفاق النووي مختلفاً كثيراً عن ذلك الذي عبّر عنه الرئيس الإيراني حسن روحاني. فمباشرة بعد الإعلان عن الاتفاق في 14 تموز/يوليو، ظهر روحاني من على شاشة التلفزيون الرسمي الإيراني وأشاد بالنتيجة التي تم التوصل إليها. ولكن بعد ذلك بساعات قليلة عندما زار روحاني وغيره من المسؤولين منزل خامنئي، لم يتطرق المرشد الأعلى إلى الاتفاق النووي سوى ببضع عبارات شَكَر فيها المفاوضين. وشكل هذا التحفظ إشارة للمتشددين بأنه يجدر بهم أن يزيدوا من هجماتهم على الاتفاق.

وفي 15 تموز/يوليو، ولتحصين نفسه في وجه هؤلاء المنتقدين، أبلغ روحاني مجلس الوزراء إن خامنئي «يتابع عن كثب» تفاصيل المفاوضات النهائية و«يراقب بدقة» العملية التفاوضية، لدرجة أن المرشد الأعلى «اتخذ على عاتقه حقاً مسؤولية أوسع بكثير في هذا الصدد» من أي مسؤول حكومي آخر. ولكن حتى ذلك لم يساعد روحاني كثيراً. وفي 14 تموز/يوليو، بعث الرئيس الإيراني برسالة إلى خامنئي يطلعه فيها على نتائج الاتفاق، ولكن المرشد الأعلى تأخر في الرد لمدة يوم واحد، لكي يظهر عدم اهتمامه بالموضوع. وقد شكر روحاني خامنئي في تلك الرسالة «لتوجيهه الصائب ودعمه الدائم والمعلن لفريق المفاوضين»، الذين «تمكنوا بنجاح من تنفيذ جميع السياسات التي حددها المرشد الأعلى والتزموا بالخطوط الحمراء التي وضعها». وتجنب خامنئي في رسالته المتأخرة – التي لم يبلغ حجمها سوى ثلث حجم رسالة روحاني – ذكر أي عبارات قد توحي بأنه راضٍ تماماً عن الاتفاق أو بأنه مارس دوراً مباشراً في المفاوضات أو كان مسؤولاً عن إبرامه. وعوضاً عن ذلك، كتب خامنئي في الرسالة: «يجب دراسة نص الاتفاق بدقة ودراسة العملية القانونية المرتقبة. وإذا جرت الموافقة على الاتفاق، يجب حمايته من أي خروقات محتملة من قبل الطرف الثاني».

ولم يذكر خامنئي من هي الجهة المسؤولة عن الموافقة على الاتفاق. وحالياً، أصبح فريق روحاني والمتشددين في خضم نزاع ساخن حول ما إذا كانت هذه المسؤولية تقع على عاتق «مجلس الشورى الإسلامي» أو «المجلس الأعلى للأمن القومي». ويصر المتشددون على أن يوافق «مجلس الشورى الإسلامي» على الاتفاق، بحجة أن جميع الاتفاقات الدولية يجب أن تعتمدها السلطة التشريعية في الدولة. وفي المقابل، يقول فريق روحاني إن الجهة التي يجب أن تراجع الاتفاق وتصادق عليه هي «المجلس الأعلى للأمن القومي». وبالطبع ليس من المصادفة أن يكون رئيس الجمهورية هو الرئيس الفخري لهذا المجلس.

المتشددون ينتقدون الاتفاق بشدة

في 16 تموز/يوليو، نشر موقع «رجا نيوز» ذو الآراء المتشددة الجزء الثالث من سلسلة مقالات بعنوان «بعض نواحي الاتفاق التي يجب كشف النقاب عنها»، بقلم علي أكبر طاهري. ويشرح المقال كيف أن الاتفاق النهائي الذي توصل إليه فريق روحاني التفاوضي يخالف ستة خطوط حمراء كان المرشد الأعلى قد وضعها في السابق وهي:

1. قيود بعيدة المدى على البرنامج النووي. قال خامنئي سابقاً إنه يجب ألا توافق إيران على فرض قيود على برنامجها النووي لمدة عقد من الزمن، لأن «عشر سنوات هي فترة طويلة جداً». ووفقاً للمقال، يتضمن الاتفاق الموقع ما لا يقل عن أربعة عشر التزاماً إيرانياً تستمر لمدة عشر سنوات أو أكثر (على سبيل المثال، القيام بعمليات تفتيش وفرض رقابة لفترة خمسة وعشرين عاماً على تخصيب اليورانيوم المستخرج، وفرض حظر على تخصيب اليورانيوم في مفاعل فوردو أمده خمسة عشر عاماً).
2. عمليات تفتيش استثنائية ودخول المنشآت العسكرية. رفض خامنئي علناً تطبيق مثل هذه الإجراءات، إلا أن الاتفاق النهائي يسمح لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بإجراء عمليات تفتيش في جميع المفاعلات التي يتم فيها تخصيب اليورانيوم المستخرج، من بين أمور أخرى. ويحق للوكالة أيضاً بموجب الاتفاق أن تطالب بمعاينة المنشآت العسكرية مثل بارشين إذا رأت ضرورة لذلك.
3. تقييد التخصيب في مفاعل فوردو. رفض خامنئي قيود من هذا القبيل على تخصيب اليورانيوم في مفاعل [منطقة فوردو] الجبلية، ولكن الاتفاق النهائي يتضمن بعضاً من هذه القيود.
4. التأخر في رفع بعض العقوبات. أصر خامنئي سابقاً على رفع جميع العقوبات بمجرد التوصل إلى اتفاق، ولكن بموجب الاتفاق النهائي سيتم التأخر في رفع بعض العقوبات التي فرضها الكونغرس الأمريكي وعقوبات الاتحاد الأوروبي، ومن الممكن ألا تُرفع إطلاقاً.
5. شروط «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». لطالما عبر خامنئي عن عدم ثقته في «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، وأعلن أن رفع العقوبات يجب ألا يكون مشروطاً بتطبيق إيران للاتفاق. إلا أنه لن يتم رفع عقوبات الأمم المتحدة إلى حين تأكد «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» من التزام طهران ببنود الاتفاق.
6. تقييد الأبحاث حول أجهزة الطرد المركزي. رفض خامنئي فرض أي قيود على أبحاث إيران النووية طوال مدة الاتفاق. بيد، يتضمن الاتفاق النهائي قيوداً – أمدها عشر سنوات – على أعمال البحث والتطوير الخاصة بأعمال التخصيب والمتعلقة بأجهزة الطرد المركزي من طراز IR-4، و IR-5، و IR-6، و IR-8، من بين أمور أخرى.

ويقلل المقال كذلك من أهمية ادعاء روحاني بأنه سيتم رفع العقوبات المتعلقة بالأسلحة، مضيفاً أنه «سيتم الاستعاضة عن العقوبات بالقيود ]المفروضة على تجارة الأسلحة الإيرانية[… وسوف تُفرض قيود على جميع الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية وعلى جميع صواريخ “شهاب” وناقلات الأقمار الصناعية وإلى غير ذلك». بالإضافة إلى ذلك، جاء في المقال أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال ما يلي: «روسيا والصين أرادتا رفع العقوبات المتعلقة بالأسلحة عن إيران، ولكن على الرغم من الدعم الذي قدمناه، وافق الفريق الإيراني نفسه على إبقاء هذه العقوبات خلال السنوات الخمس المقبلة!».

وفي 16 تموز/يوليو، وخلال مناسبة أُطلق عليها «بداية حصة الرياضيات» (وهو عنوان ساخر يشير إلى أنه قد حان وقت التدقيق)، انتقد المحلل المتشدد فؤاد آزادي الصفقة النووية من زاوية مختلفة، قائلاً: «إذا رفض الكونغرس الأمريكي الاتفاق، تكون الولايات المتحدة غير ملزمة بتطبيقه. ولكن إذا طبّقته إيران، سوف تخسر الجمهورية الإسلامية جميع الأوراق التي في يدها». وأضاف آزادي، المقرّب من «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، إنه إذا نشأ خلاف بين إيران و دول «مجموعة الخمسة زائد واحد»، «يكون مجلس الأمن هو الحكم»، مما يعني أن الولايات المتحدة وباقي أعضاء «مجموعة الخمسة زائد واحد» سيصبحون هم أنفسهم الحكم في خلافهم مع إيران. وتابع آزادي: «إذا اتُهمت إيران بخرق الاتفاق يمكن ]لهذه الدول[ أن تصدر قراراً ضد إيران»، ولكن إذا وُجهت التهمة نفسها إلى الولايات المتحدة أو إلى أي دولة أخرى، «لا يستطيع مجلس الأمن أن يصدر قراراً ضدها لأنه يمكن لإحدى هذه الدول أن تمارس حق النقض ببساطة». وأضاف كذلك أنه يجب أن يكون «مجلس الشورى الإسلامي» هو الجهة التي توافق على الاتفاق، وأن تطبيقه من قبل إيران يجب أن يكون مشروطاً بموافقة الكونغرس الأمريكي عليه، موضحاً بأن «الرئيس الأمريكي سوف يُنهي فترة ولايته بعد 19 شهراً، ولن تكون الإدارة الأمريكية ملزمة بعد ذلك بتطبيق الاتفاق إذا رفضه الكونغرس».

وفي 16 تموز/يوليو أيضاً، ادعت صحيفة «كيهان» المتشددة بأن رد الفعل المتواضع جداً من الناحية المالية على الاتفاق النووي جاء كصدمة لأولئك الذين كانوا «متحمسين جداً» للمفاوضات، إذ لم تحدث أي تغيرات حادة في سوق الأسهم أو في سعر الصرف. وقد جاء في إحدى المقالات أن «الناس توقعوا أن ينخفض سعر صرف العملات الأجنبية وأن ترتفع قيمة العملة الوطنية، ولكنهم يتساءلون الآن لِمَ حدث العكس».

المحصلة

وفقاً [لمما متبع] في الولايات المتحدة، إن الجهة نفسها التي أبرمت الاتفاق مع إيران هي المسؤولة عن تطبيقه. ولكن في إيران، لا يتمتع الرئيس وفريقه التفاوضي بصلاحيات واسعة في السياسة الخارجية أو البرنامج النووي أو الأنشطة العسكرية. وبدلاً من ذلك، تقع هذه القطاعات تحت إشراف المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يمتنع في غالب الأحيان عن تحمل أي مسؤولية علنية عن القرارات الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، لطالما عبّر خامنئي عن عدم ثقته في الأمريكيين والغرب والأمم المتحدة و«الوكالة الدولية للطاقة الذرية». ورغم أنه دعم المفاوضين إلى حد ما في تصريحاته العلنية، إلا أنه سعى بوضوح إلى النأي بنفسه عنهم أيضاً. وإذا قرر خامنئي الكف عن تطبيق الاتفاق في العام المقبل مثلاً، من المحتمل أن يلقي اللوم على الغرب أو على الفريق التفاوضي لإبرامهما مثل هذا الاتفاق، تماماً كما فعل في عام 2003 وعام 2004. وبالفعل، فقد بعث رد فعله الأولي على الاتفاق الجديد بإشارات غير مطمئنة حول استعداد إيران لتطبيق التزاماتها على المدى البعيد.

معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى