«خريطة طريق» تنهي الشقاق بين «الائتلاف» و«التنسيق»

بعد سنوات من الخلافات وتبادل الاتهامات، أعلنت «هيئة التنسيق الوطنية» و «الائتلاف الوطني المعارض» طي صفحة هذا الشقاق. المبادرة الفرنسية لجمع الطرفين توّجت باحتضان الاتحاد الاوروبي لاعلانهما الوصول إلى اتفاق مشترك وصفه ممثلو «التنسيق» بأنه «عملية اتحاد وطني بكل معنى الكلمة».

بهذه الطريقة، يأمل تكتلاً المعارضة السورية تكوين جبهة موحدة، تسير تحت مظلة خطة سياسية، للذهاب إلى مفاوضات «جنيف 3» حينما تدق ساعة التوافق الدولي والاقليمي.

أصوات من الجانبين رددت أن موسكو بدأت تغيّر لهجتها، الأمر الذي يعتبرانه مؤشراً على إمكانية فتح ثغرة في جدار الانسداد السياسي المتواصل.

خلاصة اجتماع بروكسل كانت تبنّي الطرفين ترجمة موحدة لبيان جنيف المُتبنَّى دولياً كأساس للحل السياسي في سوريا. التركيز على أولوية التسوية السياسية، كبوابة للحرب على الارهاب، وليس العكس كما يدعو النظام السوري. هذا يعني، بحسب اتفاق كتلتي المعارضة، التفاوض مع النظام لتشكيل «هيئة حكم انتقالية» مشتركة، مع استبعاد أي دور للرئيس السوري بشار الأسد.

الجديد هو تبنّي «هيئة التنسيق» لهذه الأولوية، بعدما كانت تتحدث، في العموم، عن ضرورة «تغيير النظام». هذا ما يضعها في حالة تصادم مباشر مع السلطات السورية، خصوصا أن معظم قياداتها لا تزال تقيم في الداخل السوري. لكن هذه النقطة، بالذات، تثير اهتمام الطرف الآخر.

مصدر معارض، تابع نقاشات الطرفين، قال لـ «السفير» إن «الائتلاف» ذهب الى القول إن تغيير موقف «هيئة التنسيق» مؤشر على «تغيير ربما في موقف النظام»، موضحا أن «قيام الهيئة بتبنّي مبدأ استبعاد الأسد يعني على الأقل أن قسما من النظام ليس لديه مشكلة في ذلك»، وفقاً لتحليله.

معارضة «الداخل»، كما درجت تسمية «الهيئة»، ستواجه أيضا خلافاتها الداخلية. حزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي، اللاعب المهم في الشمال السوري، ليس سعيدا بهذا التقارب مع قطب يراه حليفا لتركيا التي تعترض على مدّ نفوذه.

الارتباك في موقف «الهيئة» تجلّى في ترويجها لمواقف متباينة، بين اعتبار من حضروا إلى بروكسل يمثلون «صفتهم الشخصية»، وبين نفي ذلك من ناطقها الاعلامي منذر خدام. على كل حال، اطلعت «السفير» على تفويض صريح، موقّع باسم منسّقها العام حسن عبد العظيم، لأربعة من أعضائها لكي يفاوضوا «الائتلاف». حدد التفويض مرجعيات أي توافق بين الجانبين، خصوصاً تفاهماتهما في لقاءات سابقة، وتوقيعه مؤرخ في الأول من تموز الحالي، بناء على قرار من المكتب التنفيذي.

المسألة لم تحسم تماما بعد. ما اتفق عليه الطرفان هو «خريطة طريق لانقاذ سوريا تضم المبادئ الأساسية للتسوية»، لكن لم يعلن عن تفاصيلها بانتظار «المصادقة عليها من قبل مرجعيات» الطرفين.

لا جديد في الاتفاق بالنسبة الى مواقف «الائتلاف» المعلنة. لكن هذه الخطوة تمثل تحولا في مسار عمله. حتى الأمس القريب، كان هذا التحالف يعتبر نفسه «مظلة» لوحدة المعارضة، لكن المظلة الآن، التي طالب بها الأوروبيون، رعاة الاجتماع، باتت «خريطة الطريق». المفارقة أن ضعف «الائتلاف» أحد العوامل الأساسية التي دفعت للتحالف مع «هيئة التنسيق». فقدان الائتلافيين لأي تأثير يذكر على المعارضة المسلحة، إسلامية متشددة أم جهادية أم إرهابية، حررهم من اعتراضاتهم السابقة على التقارب مع «معارضة الداخل». الآن باتت قيادات «الائتلاف» تصافح، موزِّعة الابتسامات والشعارات المشرقة، من كانت تعتبرهم «صنيعة النظام».

التعويل الوحيد الذي يحمله «الائتلاف»، والآن تنضم إليه «الهيئة»، أن تقوم الدول الداعمة للمعارضة المسلحة بإلزامها بأي توافقات مستقبلية. غير ذلك، ليس في يد الطرفين ممارسة نفوذ يذكر، لفرض واقع سياسي على ميدان الحرب.

وبرغم انغلاق الأفق حاليا أمام انطلاق عملية التفاوض حول التسوية، الا ان الطرفين يؤكدان على وجود بعض الانقشاعات. يشيران تحديدا الى موقف موسكو. هذا ما ينقله عضو وفد «الهيئة» خلف الداهود، خلال حديث الى «السفير» بعد إعلان اتفاقهم. وقال الداهود إن هناك تغيّراً في طريقة تفكير الروس باتجاه حل المسألة السورية»، قبل أن يضيف «سمعت أنهم يحثون بعض الأطراف على التفكير في مستقبل الأسد وما شابه… كل هذه القضايا تُبحث في غرف مغلقة».

هذه القراءة بدا انها معممة أيضا لدى ممثلي «الائتلاف».

عضو وفد «الائتلاف» عبد الأحد اسطيفو، الذي كان ضمن وفده التفاوضي في «جنيف 2»، قال لـ «السفير» إنهم لم ينقطعوا عن التواصل مع موسكو، وأنهم يحسّون بتغيّر في موقفها عبر نقطيتن، موضحاً «شعرنا من كلامهم القلق على مستقبل»، وتحددياً بشأن الرئيس بشار الأسد والمحيطين به، مضيفا أن التغيير الثاني تمثل في ان الروس «كانوا مرتبكين جدا في تقييمهم للتطورات الميدانية التي تتم على الأرض». هذه الانطباعات تجعل اسطيفو، وهو ممثل «المنظمة الآشورية الديموقراطية»، يخلص إلى أن «هذه الأمور لم تكن موجودة سابقا، لم نكن نشعر بها».

إعلان الاتفاق بين كتلتي المعارضة تم عبر مؤتمر صحافي. كان ممثلو «الائتلاف» يجلسون براحة، فيما لم ينجح ممثلو «هيئة التنسيق» في إخفاء ارتباكهم. اعترضوا على وضع علم «الائتلاف» خلف طاولة جلسوا عليها معاً لإعلان النتائج. لذلك، أصرّ نظراؤهم على نشر العلم، لكن خلف نصف الطاولة الذي يجلس فيه ممثلوهم.

وزع الطرفان بيانا مشتركاً، أعلنوا فيه التوصل إلى «خريطة طريق لانقاذ سوريا تضم المبادئ الأساسية للتسوية السياسية»، مبينين أن خلاصتها تدعو إلى «تنفيذ «بيان جنيف» (30 حزيران 2012) ببنوده كافة، بدءا بتشكيل «هيئة الحكم الانتقالية» التي تمارس كامل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، بما فيها سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية كافة على وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة، والتي تشمل الجيش والقوات المسلحة وأجهزة وفروع الاستخبارات والأمن والشرطة».

تشديدا على هذه النقطة، خلال عرض توافقاتهم، اعتبروا أن الحل السياسي وفق مرجعية جنيف يجب ان «يفضي إلى تغيير النظام السياسي الحالي بشكل جذري وشامل، ويشمل ذلك رأس النظام و رموزه ومرتكزاته وأجهزته الأمنية كافة».

وبرغم وضوح هذا التغيير في موقف «الهيئة»، أو عيار خطابها، الا ان ممثليها قالوا إنه «امتداد لما أعلنته سابقا». هذا ما حاجج به ممثلها خلف داهود. حينما سألته «السفير» عن ذلك، قال «نعم نحن نعنيها، نريد هيئة حكم انتقالية بكل معنى الكلمة، وهذا يعني نقل صلاحيات رئيس الجمهورية إليها»، قبل أن يستدرك «الموضوع ليس شخصيا، وإنما نحن نسعى لبناء ديموقراطي حقيقي».

هذا التحالف الجديد، إذا صمد فعلا، سيكون المظلة التي سيحاول الطرفان جمع باقي أطراف المعارضة تحتها. طبعا هما يعطيان لنفسهما الدور القيادي، عبر استكمال العمل «في إطار المشاركة المتساوية والفعالة». كل هذا والعين ستكون على «جنيف 3»، فمظلة الاتفاق تعطي الطرفين، بدعم غربي، مسؤولية «العمل معا لأن يكون فريق العمل التفاوضي للتسوية السياسية يتمتع بالكفاءات اللازمة ويعكس التمثيل الفعلي لقوى الثورة والمعارضة ومكونات المجتمع السوري».

سبق للطرفين أن صاغا «رؤية مشتركة»، لكن المعارضة المدعومة غربيا وخليجيا تراجعت عنها. الآن فرص النجاح ربما أكبر، بالنظر الى ضعف «الائتلاف». ولكن حتى لو سلمت العدة السياسية، يبقى المهم الوصول إلى «جنيف 3». هنا بدأ «الائتلاف» يغير لهجته الحادة تجاه طهران، بعدما كان يطالب باستبعادها. صحيح أن الطرفين أدانا وقوف إيران إلى جانب النظام، لكن الرئيس السابق لـ «الائتلاف»، هادي البحرة، قال ردا على «السفير» إنهم مدركون أن «شرط استئناف جنيف هو تحقيق توافق دولي، وتوافق روسي – أميركي، ومن ثم بعض الدول التي لها تدخل مباشر في القضية السورية مثل إيران». ولفت، في هذا الاطار، إلى أهمية دور الاتحاد الأوروبي «إرساء الجسور والدفع نحو حدوث هذه التوافقات»، مع العلم أن وزيرة خارجيته فدريكا موغريني ستزور طهران والرياض الأسبوع المقبل.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى