رأى روبرت غيتس أن (الاختلال الوظيفي) في الدولة يضعها في حالة خطر وجودي حتى لو كانت القوة العظمى كأميركا . غيتس وزير الدفاع الأمريكي (2006 – 2011 ) في عهدي بوش الإبن الجمهوري وأوباما الديمقراطي، وقبلها مدير المخابرات المركزية الأمريكية ، و يدير الآن شركة أبحاث و استشارات استراتيجية وهو الذي يعتبر من أهم واضعي الاستراتيجية الأمريكية التي أنتجت الحروب الهجينة الأمريكية. غيتس بخبرته العميقة وبمتابعته الدقيقة وجد أن أمريكا، ورغم أنها قوة عظمى، فإن ما تعانيه من اختلال وظيفي يهددها بخطر الفشل ( وربما الهزيمة) أمام خصومها المصرين على هزيمتها و إسقاط عظمتها.
غيتس دق ناقوس الخطر حول (اختلال الدولة العظمى) في مقال نشره الأسبوع الماضي في مجلة الشؤون الخارجية الشهيرة (Foreign Policy)، مؤكداً أن الدولة الأمريكية تعاني من اختلال وظيفي واضح. فمن إغلاق حكومي وشيك يهدد بكارثة اقتصادية، إلى تحقيق حزبي لعزل الرئيس بايدن، إلى التهم الجنائية في أربع قضايا ضد الرئيس السابق و المرشح الرئاسي القادم ترامب، إضافة إلى فوضى الانتخابات الرئاسية و جنونها، إلى تفاقم العنصرية و التمييز العرقي في المجتمع الأميركي ، والأهم الانقسام السياسي العميق وخراب الديمقراطية الأميركية في جوانب عديدة منها مع زيادة الكراهية العالمية للسياسة الأمريكية وحذر وتوجس الحلفاء من خذلان أمريكا لهم…. و مقابل كل هذا الخراب تواجه أمريكا خصوماً يزدادون قوة وتصميماً. .ولأول مرة في تاريخها تجد أمريكا نفسها أمام توافق واتحاد روسي صيني إيراني كوري شمالي ضدها. وهؤلاء إذا جمعت قوتهم النووية فهي تساوي ضعف قوة أمريكا النووية. إضافة لإصابتها الآن بـ (اختلال وظيفي خطير) خاصة وأن الإدارة الأميركية حسب غيتس تفتقد لرؤية حقيقة و مدى تصميم خصومها على هزيمتها، كما أنها تفتقر إلى استراتيجية واضحة وعملية لمواجهة خصومها الخطرين والمهددين لها بتصميم.
يتفق مع غيتس آخرون من المفكرين السياسيين الأمريكيين الذين يؤكدون أنه ليس أمام أمريكا للخروج من مأزقها ( الإختلال الوظيفي) إلا معالجة الانقسام السياسي واستعادت الوحدة الوطنية بعيدا عن العنصرية والتمييز العرقي. وهذا ما يستلزم إصلاح النظام الديمقراطي الضامن للوحدة والحافظ للتميز والاختلاف السياسي. و يقتضي كل ذلك الاتساق مع القيم والمبادئ الديمقراطية المعلنة و معالجة ما أصابها داخل أمريكا وخارجها، و في العالم كله. وعلى الدولة الأمريكية حسب أحد مفكرييها أن تعمل لتكون قوة إقناع ونشر وتعميم للقيم والمبادئ الديمقراطية. و بما يجعل أمريكا قوة الخير العام تصنع الخير وتتشاركه مع العالم في كل مكان. كل هذه الامور تعيد للدولة قوتها واتساقها و يمنحها الرؤية الثاقبة لحقيقة المخاطر التي تواجهها و توفر لها القدرة الكافية لوضع استراتيجية استباقية تكسر أي تهديد خطير حتى لو كان نوويا.. فهل تستطيع أمريكا إنجاز هذه المهام وخاصة تلك المتعلقة بالخير العام للأمريكيين والعالم؟؟؟؟ أليست هذه المهمة هي المهمة الأساسية للقوى العظيمى ؟؟
ربما يرى بعض المتعاطين مع السياسة بالرغبات ان تحذير غيتس حول الاختلال الوظيفي الأمريكي يحمل تبشيرا ببدأية انهيار الدولة الأمريكية. ولكن المدققين لابد سيجدون أن تحذير غيتس يرمي إلى تقوية أمريكا ويهدف إلى استعادة عظمتها واستكمال ما نقص منها، وعندما يأتي تشخيص الاختلال الوظيفي من رجل خبير وعارف ك جيتس فهو إنذار من جهة و خطة علاج من جهة أخرى. و أن قبوله واعتماده هو سر من اسرار استمرار قوة أمريكا….. إذا قبلته واعتمدته. وهو ما يفرض على الآخرين المتضررين من أميركا أخذه بالحسبان و التيقظ له .
أهمية مقال غيتس وطروحاته ليست فقط في أنها تحذر أمريكا وتقترح عليها العلاج .أهميته أيضا انه بحث في خطورة الاختلال الوظيفي لأي دولة، وإذا كان هذا الاختلال يدفع أمريكا إلى التراجع والانهيار وهي القوة العظمى، فماذا يفعل مثل هذا الاختلال في الدول التابعة او الملحقة أو المنهكة أو تلك التي على شفير الانهيار ؟؟؟!!!!