
“طعم الغضب” بضم الطاء، هي كلمة العام التي اختارها القائمون على قاموس أكسفورد. والطعم هو الطعام الجذاب الشهي الذي يجذب المشتهي إليه ليصطاده ويوقع به في حبائله. وهكذا فإن “طعم الغضب” هي إغراء للقارئ متصفح الشبكة بهدف دفعه لإطلاق غضبه. وبما أن قاموس أكسفورد يختار الكلمة التي سادت بمعناها في أداء وممارسة الناس خلال عام معين لتكون كلمة العام، فإن خلاصة أكسفورد لهذا العام تقول إن (كثيرا مما ينشر على الشبكة ويتداوله الناس ما هو إلا طعم للغضب وإغراء للوقوع في الغضب، وإثارة لطاقة الغضب في تصرفاته). فالشبكة وما تحتويه من مضامين ليست إلا مفجراً لغضب الناس مهما كانت مغلفة بأشكال جذابة ما هي في الحقيقة إلا الطعم الذي يوقع القارئ المتصفح بالغضب.
في العام الماضي. كانت كلمة أكسفورد “تعفن الدماغ” وهي الحالة التي تنتجها قراءة نصوص أو تصفح مقاطع الفيديو القصيرة المختلفة والمتناقضة والمتتالية. تعفن الدماغ أو “ترهل العقل” هو ما يشوش التركيز ويشتت الاهتمام ويبعثر الفهم ويضعف النقد، ويدجن عادة التلقى عند القارئ المتصفح للشبكة. والمثير ما قاله أحد المسؤولين عن اختيار كلمة العام في أوكسفورد من أن (كلمة هذا العام طعم الغضب تكمل وتفعل كلمة العام الماضي تعفن الدماغ والعكس صحيح) وهكذا فإن عالم الشبكة يثير فيك الغضب، ويؤدي بك إلى تعفن الدماغ. وتعفن الدماغ هذا يقودك من جديد إلى إثارة غضبك وهكذا تدور الدائرة بك.
كلمة العام تعكس مزاج وثقافة عام كامل، وتشكل مرآة اجتماعية ثقافية فكرية اقتصادية سياسية في حقبة معينة. وهي خلاصة التعبيرات والمعاني التي اكتسبت شهرة واستخداما كبيرين في سنة معينة، وتعكس مهمة اجتماعية تقنية بيئية سياسية. وهي بنفس الوقت تشكل تعبيرا وتحذيرا تجاه مخاطر مسار الثقافة الاجتماعية التي يسير المجتمع في سياقها. وإذا كانت اللغة هي عقل المجتمع فإن الشبكة أصبحت محرك ضميره، ومطلقة نشاطه، ومحددة سلوكه. وكلمة هذا العام مع كلمة العام الماضي تحذران الجميع من “دكتاتورية الشبكة” وخبث ما تحمله من طعم الغضب، وخطورة ما تنتجه من تعفن الدماغ ومن فداحة ما يمكن أن تخبئه من مخاطر إن لم نعيدها إلى مسارها الأصلي المفيد للإنسان كأداة تواصل وتثقيف ينتج الخير والتآخي والتلاحم والتعاون، وينبذ التنازع والتفرقة والتقاتل، ويتيح التفاعل لإبتكار مستقبل أكثر إشراقا وخيرا وإنسانية.
إذا كان طعم الغضب هي كلمة العام في الغرب، فترى ما هي كلمة العام في مجتمعنا العربي السوري؟؟ دققوا جيدا واختاروا الكلمة التي تعبر عن ثقافة عامكم. افحصوا مدى خدمتها لمستقبل بلادكم. ومدى فعلها في لم شملكم، وكم تخدم في إعادة تمتين وحدتكم الوطنية والحضارية، وكم تساهم في تفعيل طاقتكم لبناء مستقبل حضاري متنور يليق بالحضارة السورية الأكثر عراقة وابداعا وخبرا وعدلا في التاريخ الإنساني كله.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة


