تركيا ستخرج من سورية وكذلك إيران وأميركا (1)

 

في سياق فهم مستقبل سورية من خلال قراءة موضوعية وعلمية للأحداث الجارية حاليا في ادلب ومحيطها والتي أججت الصراع المسلح بين تركيا وسورية، أبدا اليوم سلسلة مقالات على موقع ” خمس نجوم” مستندة الى وثائق ومعلومات بعيدا عن أي اهواء ومشاعر شخصية، لكي نفهم ما هو مصير البلد الذي وصفه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ب ” قلب العروبة النابض” بينما العروبة تتفرج عليه وسط التنافس الدولي والإقليمي على أرضه.

لا بد بداية من القول انه من وجهة النظر الرسمية السورية والقوانين الدولية، فان تركيا دولة مُحتّلة، بينما إيران من خلال المنظور الرسمي السوري حليفة دخلت بطلب رسمي سوري وساهمت مساهمة كبيرة في عدم سقوط الدولة والقيادة الحالية وفي ضرب الارهاب، وأن أميركا دولة معتدية ومحتلة، بينما روسيا دولة حليفة للأسباب نفسها المساقة بشأن إيران. لكن ثمة وجهة نظر أخرى يسوقها مؤيدو المعارضة ومناهضو قيادة الرئيس بشار الأسد تقول بأن تركيا دخلت بطلب دولي ومن جزء من السوريين لحمايتهم. مع ذلك، فان كل المؤشرات المنطقية تقول بأنه حين يسيطر الجيش السوري على كل المناطق السورية، فان كل القوى غير السورية ستخرج، ما عدى روسيا التي ستبقى هناك وتُبقي على قواعدها العسكرية، لأن في ذلك توازنا دقيقة مع القواعد الأميركية في المنطقة يتخطى سورية ويخدمها، وفيه أيضا منفذ لروسيا الى البحار الدافئة.

الحلقة الاولى :

لا بد من قراءة دقيقة لكتاب «العمق الإستراتيجي» لمؤلفه أحمد داوود أوغلو الذي كان مهندس السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية الذي تولى رئاسته ورئاسة الحكومة لاحقا، والرفيق الحميم للرئيس رجب طيب أردوغان قبل ان تفرّقهما الخلافات ، لكي نفهم العقلية التي دفعت تركيا أردوغان للانفتاح على سوريا بشار الأسد.

يُدرج أوغولو سوريا في تفكير إستراتيجي شامل لمنطقة الشرق الأوسط وطموحات تركيا، فيقول إن: «منطقة الشرق الأوسط تعد ثاني مناطق الالتقاء المهمة بالنسبة إلى تركيا، باعتبارها الحزام الأدنى لمحاور القوقاز- الشرق الأوسط- البلقان، وقد أصبحت تركيا مضطرة (لنلاحظ كلمة مضطرة) إلى تطوير سياسة شرق متوسطية تضم بداخلها أيضاً نطاقات مشحونة بالمشكلات، مثل إيجه وقبرص، ومضطرة إلى أن تفكر في هذه السياسة بعيداً عن التوازن العقيم للعلاقات التركية – اليونانية. كما يجب على هذه السياسية الاعتماد على إستراتيجية بحرية تحيط بخط البحر الأسود – المضيقين – إيجه، وخط الأدرياتيكي-كريت-قبرص– وخط السويس، البحر الأحمر، الخليج العربي الذي يحيط بمركز الشرق الأوسط، وأخيراً خط باكو – قزوين – جيحون. وتتمتع العلاقات التركية السورية بأهمية خاصة في إطار السياسة الشرق متوسطية وتوازناتها».

يضيف أوغلو: «إن العلاقات بين تركيا وبين كل من اليونان وإسرائيل ومصر وسوريا بل وليبيا وإيطاليا ستتطور من الآن فصاعداً باعتبارها جزءاً من ذلك المعيار الإقليمي» .

الواقع أن هذا المفكر والدبلوماسي التركي الحامل دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعات تركيا، يحدد أهداف التقارب مع سوريا، أولاً بهذا البعد الإقليمي والدولي لبلاده براً وبحراً، وثانياً بالرغبة في الدخول في عملية السلام «حتى ولو بصفة مراقبة»، وثالثاً بمنع إسرائيل من اللعب بمسألتي المياه وإرسال السلاح إلى قبرص اليونانية، ورابعاً بالالتفاف على خطط روسيا ومنها زرع صواريخ أس 300 في قبرص.

في هذا الصدد يعتبر اوغلو أن «روسيا تسعى إلى الدفع بشرق المتوسط إلى خارج مناطق المرور النفطي من خلال خلق أزمة مزمنة عند نقطة نزول خط باكو-جيحون الذي سيوجه ضربة لإستراتيجيتها النفطية» ناهيك طبعاً عن الطموحات الاقتصادية الكبيرة التي يشرحها أوغلو والتي ستسمح لتركيا بالدخول إلى حلب ودمشق وكل المناطق السورية.

ما الذي نقل تركيا إذاً من الانفتاح على الأسد الى الحرب ؟

لعلكم تذكرون ما قاله أردوغان بعد أشهر قليلة على أحداث درعا. قال «لا يمكن بناء الحكم على الدم، لأن من يبنون حكمهم على الدم سيذهبون بالدم، ونحن الآن نتحرك بصبر وحذر ولكن بعد الاستشارات سنقول كلمتنا الأخيرة..».ثم ذهب بعد عام تقريباً أي في 5 أيلول/سبتمبر 2012 إلى حد التهديد بأنه ذاهب مع رفاقه «لتلاوة الفاتحة فوق قبر صلاح الدين الأيوبي، ثم الصلاة في باحات جامع بني أمية الكبير، وزيارة تربة الصحابي بلال الحبشي والإمام ابن عربي والكلية السليمانية ومحطة الحجاز». لا يكتفي برمي السهام على الأسد، بل يوجِّهها أيضاً إلى المعارضة التركية بالقول: «إن أحزاب المعارضة التركية التي ناصرت النظام السوري ستخجل في القريب العاجل من زيارة دمشق».

من يعود الى بدايات الحرب السورية يستنتج أن الموقف التركي حيال الأسد بقي متردداً بعض الوقت. أمِل الأتراك ربما بإقناع الرئيس السوري بتقديم تنازلات سياسية. كانت تركيا تعتبر أنها قادرة على تزيين مثل هذه التنازلات للأسد. منها على وجه الخصوص توسيع المشاركة “السنية” وإدخال “الإخوان المسلمين “في السلطة، هذا في أسوأ الأحوال، أما في أفضلها بالنسبة إلى تركيا فكان الطموح إلى قلب النظام بغية إقامة نظام آخر دائر في فلك النهج الإسلامي لحزب العدالة والتنمية والمنظمة الإخوانية في المنطقة. كانت الأدبيات التركية المعلنة من قبل أردوغان وأوغلو لا تخفي الرغبة في عودة تركيا إلى زعامة المنطقة.

قال أردوغان على نحو لا يمكن أن يكون أكثر وضوحاً: «يسألوننا عن أسباب انشغالنا بسوريا. الجواب بسيط للغاية، لأننا بلد تأسس على بقية الدولة العليَّة العثمانية. نحن أحفاد السلاجقة. نحن أحفاد العثمانيين. نحن على امتداد التاريخ أحفاد أجدادنا الذين ناضلوا من أجل الحق والسلام والسعادة والأخوة… وأن حزب العدالة والتنمية هو حزب يحمل في جذوره العميقة روح السلاجقة والعثمانيين».

في الحلقة المقبلة : بداية تنفيذ الحلم العثماني.

خمس نجوم. نت

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى