دمشق بين استباحة المعارضة وإباحة السلطة

“إذا كنت مقدماً على الفشل…فلا تفشل كيفما كان…”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لو سألني المسلحون:

نهجم، وندخل دمشق من جوبر إلى ساحة العباسيين، وشارع فارس الخوري؟ لقلت لهم: “نصيحتي..لا تحاولوا مع دمشق من كل جهات الفتح، لأن سقوط دمشق بأيدي الكتائب الإسلامية…ممنوع وصعب وخطير”. ولقلت لهم أيضاً: “يكفي محاولات منذ سنوات، وفّروا أرواح هؤلاء الشباب.أوقفوا الحرب على مشارف خسارتها.

لستم أول من خسر معركة في تاريخ الحروب”.

وسأضيف أخيراً:

يمكنكم الدخول من الجغرافيا…

ولكنكم ستخرجون من التاريخ!

………………….

هذا ما كتبته على الفيس بوك، وأرجو أن أكون اخترت الرسالة الصحيحة حول الهجوم الذي شنته جبهة النصرة على دمشق من بوابتها الشرقية،الاسبوع الماضي .

الهجوم ممكن خلال ساعات أن يحقق خرقاً وتقدماً وتهديماً للمباني، وذعراً للسكان، واضطراباً في يوميات دمشق، ولكنه سيتوقف، بل وسيتكبد الخسائر التي لا تستحقها الأهداف من وراء الهجوم لعديد الأسباب التي كان ينبغي أن يفهمها ويستوعبها فصيل قوي مثل جبهة النصرة وحلفائها.

أولاً: كان يجب على النصرة أن تعرف أن هزيمة حلفاء دمشق شبه مستحيلة مهما كلف ذلك. هزيمة دمشق تعني ترشيح عواصم اخرى للانهيار.

ثانياً: أن مثل هذه الهجمات محسوب حسابها في خرائط استعدادات الجيش السوري، أوهكذا ينبغي الافتراض. وهو لا يدافع عن ثكنة بل عن عاصمة.

ثالثاً: إن الروس، وبالاتفاق مع الأمريكان (على الخطوط العريضة) لن يسمحوا بذلك. ولن يسرهم، بطبيعة الحال، أن يروا علم الجبهة على مبنى سفارتهم التي لا تبعد أكثر من كيلومترين عن ساحة العباسيين، وأظنهم لن يتركوا الموظفات الروسيات، وعائلات الخبراء “سبايا “في سوق نخاسة الغزوة الإسلامية.

رابعاً: لن يجدوا في دمشق القديمة والجديدة، الإسلامية والمسيحية، التجارية والصناعية من يقول لهؤلاء الآتين على شكل غزاة: أهلاً وسهلاً بالمحررين. فدمشق، بوصفهاعاصمة قلوب ، وسياسة ، وتاريخ ، أذكى من ذلك بكثير.

خامساً: الهجوم على دمشق فشل سابقاً يوم معركة دمشق الكبرى في 2013 وكانت كل جهات دمشق ،آنذاك، متاحة ومفتوحة للهجوم: من الغرب الجولان، ومن الجنوب درعا، ومن الشرق الغوطة ودوما. وكانت البيئة الحاضنه أكثر دفئاً تلك الأيام.

إذا كان هدف الهجوم تحسين أوراق تفاوضية، فالنصرة ليست من بين المفاوضين. وإذا كان هدف الهجوم هو فرض النصرة، باسم جديد على الطاولة بنفوذ السعودية… فالكل يعرف لعبة الاستغماية المكشوفة هذه، ولن تمشي على اللاعبين.

الهجوم بهذه الطريقة المقلقة للجميع، وبهذه الأهداف التي لا تصل إليها معركة حي من أحياء دمشق… تكون الأضرار السياسية هي الحصيلة، وليس المكاسب. (قبل يوم واحد من جنيف…شيء ساذج هذا الذي حدث).

إذن…ما هي عقلية هذه اللعبة؟ من يسيّرها عن بعد، ويوافق عليها عن قرب؟

إنها ببساطة، لعبة الأهداف التي يعتنقها البستاني البسيط حين يزرع أشجار بستانه، من كل نوع شجرة. بحيث يحتاط للمواسم المقبلة. فيما اللعبة الجارية اكبرمن البستنه ،و برتبة عالمية أبعد من الغوطة، ومن داريا ودوما وجوبر، ومن عقلية عاصر الزيتون.مع احترامي لكل شجره في الغوطه .

المؤسف أن هذه النوع من التشغيل ينطوي على مخاطر البقاء في حالة عدم الحسم. ثمة ممول جشع وغير مبالٍ بالأرواح… أرواح المدن وأرواح البشر. وحتى يقتنع هذا الممول، ويمتنع عن التمويل، يحتاج إلى خسائر متوالية وفادحة ومن كل الأصناف. يحتاج إلى رأس مفكر لا إلى رأس حربي.

في الهجوم على دمشق، بالتكرار، سيعطي للسلطة الحق في إفناء ما تبقى من جوبر وزملكا ودوما وحرستا وعين ترما والمخيم والحجر الأسود… دون أن يقول له أحد لماذا تفعل ذلك؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى