دوامة الليرة والدولار تعصف بكل شيء في لبنان

 

مع استمرار التظاهرات ضد الطبقة السياسية وفسادها في لبنان، تسود حالة من الفوضى في الأسواق مع اغلاق محطات وقود أبوابها وارتفاع أسعار سلع أساسية واشكالات شهدتها المصارف، فيما لم تحرك السلطات ساكناً منذ استقالة الحكومة قبل عشرة أيام.

وصباح السبت، خرج مئات المواطنين، وعلى رأسهم طلاب المدارس الذي تولوا لليوم الرابع على التوالي زمام المبادرة، إلى شوارع مدن رئيسية عدة ضمن الحراك الشعبي المستمر منذ 17 تشرين الأول/اكتوبر ضد الطبقة السياسية برمتها.

وتسود حالة من الخوف بين المواطنين غير القادرين على تحصيل ما يريدون من ودائعهم المصرفية مع تشديد المصارف إجراءات الحد من بيع الدولار والخشية من زيادة ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وبات التجار الكبار غير القادرين على الحصول على الدولارات من المصارف يتلاعبون بدورهم بالأسعار، وفق ما يقول رئيس جمعية المستهلك غير الحكومية زهير برو لوكالة الصحافة الفرنسية.

التجار الكبار يطلبون من التجار الصغار أن يدفعوا لهم بالدولار، وإن وافقوا على الليرة اللبنانية فيفعلون ذلك بسعر الصرف الذي يناسبهم

ويوضح “نتلقى الكثير من الشكاوى أن البلد في مرحلة فوضى بالأسعار”، مشيراً إلى أن “التجار الكبار يطلبون من التجار الصغار أن يدفعوا لهم بالدولار، وإن وافقوا على الليرة اللبنانية فيفعلون ذلك بسعر الصرف الذي يناسبهم”.

ويضيف “من هنا تنطلق المشكلة الأساسية، وبات صغار التجار أيضاً يفعلون الأمر ذاته، وبالتالي تصل الأسعار للمستهلك مرتفعة جداً”، مشيراً إلى ارتفاع طال “العديد من المواد من البيض إلى اللحوم والأجبان والالبان، والخضار” بنسب مختلفة.

وللمرة الأولى منذ أكثر من عقدين من الزمن ظهرت خلال الصيف سوق موازية، وبات الدولار اليوم يصل إلى 1800 ليرة، فيما لا يزال السعر الرسمي لليرة ثابتاً على 1507.

ويأتي ذلك مع تشديد المصارف اللبنانية إجراءات الحدّ من بيع الدولار خلال أسبوع فتحت فيه أبوابها بعد توقف دام أسبوعين أمام الاحتجاجات الشعبية. ولم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الدولار من الصراف الآلي، كما تفرض المصارف رسماً إضافياً على عمليات سحب الدولار المحدودة جداً مباشرة منها.

وتغلق المصارف أبوابها يومي السبت والاثنين لمناسبة عيد المولد النبوي برغم أن العطلة الرسمية يوم الإثنين فقط، في خطوة رأى مراقبون أن الهدف منها قد يكون تخفيف الضغط عنها.

وتداول مواطنون خلال الأسبوع الماضي أشرطة فيديو عدة تظهرهم وهم يتشاجرون مع موظفين في المصارف لعدم السماح لهم بسحب ما يريدون من مبالغ بالدولار، أو لعدم قبول المصارف أن يدفعوا مستحقات قروضهم بالليرة اللبنانية.

وأغلقت محطات وقود عدة السبت أبوابها مع انتهاء المخزون لديها وصعوبة القدرة على الشراء من المستوردين بالدولار الأميركي، وأبقت أخرى أبوابها مفتوحة ريثما ينتهي مخزونها.

وقال رئيس نقابة أصحاب المحطات سامي البراكس “إذا لم يجدوا (المسؤولون والمصرف المركزي) حلاً حتى يوم الثلاثاء، سنضطر أن نوقف استيراد المشتقات النفطية ونغلق كافة المحطات ونجلس في بيوتنا”.

وبدأت أزمة محطات الوقود في شهر أيلول/سبتمبر مع تذمر أصحابها من صعوبة الحصول على الدولارات لتسديد فواتيرهم للمستوردين. ويدفع المستهلكون لأصحاب محطات الوقود بالليرة اللبنانية لكن يتعيّن عليهم الدفع بالدولار للمستوردين والموزعين.

وبعد تنفيذهم إضرابات، أصدر المصرف المركزي تعميماً لتسهيل الحصول على الدولار. لكن ومع تشديد الإجراءات على بيع الدولار، الذي بات الحصول عليه بالغ الصعوبة، عاد أصحاب المحروقات لمواجهة الأزمة ذاتها، وباتوا يضطرون مجدداً لشراء الدولار من السوق الموازية.

وهددت المستشفيات اللبنانية الجمعة أنها ستتوقف عن استقبال المرضى ليوم واحد في منتصف الشهر الحالي كإجراء تحذيري، في حال لم تستجب المصارف خلال مهلة أسبوع لطلبها تسهيل تحويل الأموال بالدولار لشراء مستلزمات طبية.

ومن المفترض أن يلتقي رئيس الجمهورية ميشال عون السبت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومجلس إدارة جمعية المصارف لبحث الوضع المصرفي في البلاد، وفق ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية.

وبدأت التحركات الشعبية، غير المسبوقة في لبنان ضد أداء الحكومات المتعاقبة، مع إزدياد الوضع الاقتصادي سوءاً ومعارضة المواطنين لزيادة الضرائب عليهم، وتخوفهم من تدهور قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار.

وتشهد أيام الأسبوع تحركات احتجاجية عدة، تشمل اعتصامات أمام مؤسسات رسمية ومصارف وإجبارها على إغلاق أبوابها، إلا أن عادة ما تحصل التظاهرات الأكبر والتي تملأ الساحات يومي السبت والأحد.

وصباح السبت، خرج مئات المواطنين، وخصوصاً طلاب المدارس الثانوية، إلى شوارع مدن رئيسية عدة من بيروت إلى صيدا وصور جنوباً وطرابلس شمالاً وعرسال في الشرق.

وسارت مسيرات طلابية حاشدة في شوارع وأحياء مدينة طرابلس قبل أن تلتقي في ساحة الاعتصام المعتمدة منذ بدء الحراك.

وقال محمد (18 عاماً) بعد وصول المسيرة الطلابية إلى ساحة التظاهر في وسط بيروت “نريد أن نضمن مستقبلنا، لست مضطراً أن أنهي تعليمي وأسافر لأجد عملاً. الطبقة السياسية الموجودة حالياً غير قادرة على تأمين ذلك، وإن كانت قادرة أن تفيدنا لكانت فعلت ذلك قبل 30 عاماً”.

وتظاهر العشرات في بيروت أيضاً أمام مصرف لبنان، كما أمام قصر العدل تحت شعار “لا للقضاء الفاسد”.

ومنذ استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في 29 تشرين الأول/أكتوبر تحت ضغط الشارع، ليس هناك أي بوادر لتشكيل حكومة جديدة يطالب المتظاهرون أن تضم اختصاصيين من خارج كافة الأحزاب السياسية التقليدية.

من جهته، دعا مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان المسؤولين السبت إلى الاستجابة لمطالب المحتجين بالقضاء على الفساد والطائفية.

وقال المفتي في خطاب بثه التلفزيون بمناسبة ذكرى المولد النبوي “آن الأوان للاستجابة لمطالب الشعب وإرادته الوطنية الحرة، العابرة للطوائف والأحزاب والمناطق”.

وتابع “آن الأوان، والفرصة مواتية، بعد هذه اليقظة الوطنية، أن تبدأ عملية الإصلاح، وأن يتوجه أولو الأمر، إلى تشكيل حكومة إنقاذ دون تلكؤ ولا تأخير، إلى تشكيل حكومة من أصحاب الكفاءة والاختصاص، والشروع فورا في تنفيذ الورقة الإصلاحية التي أعدها الرئيس الحريري، لمعالجة مشاكل البلاد”.

كما دعا بطريرك الموارنة في لبنان بشارة بطرس الراعي إلى تعديل وزاري لتشمل الحكومة تكنوقراطا ذوي كفاءة.

واتفق الحريري قبل استقالته على حزمة إصلاحات مع شركائه في الحكومة الائتلافية بهدف تخفيف الأزمة الاقتصادية التي أشعلت الاحتجاجات.

واشتملت تلك الخطط على خفض رواتب المسؤولين الحاليين والسابقين بنسبة 50 بالمئة والحصول على مساهمات من البنوك بقيمة 3.3 مليار دولار لتحقيق “عجز يقترب من الصفر” في ميزانية 2020.

لكن السياسيين اللبنانيين لم يحرزوا أي تقدم بشأن الاتفاق على حكومة جديدة تحل محل المستقيلة.

ويثير التأخر في بدء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة غضب المحتجين. ويجري المسؤولون، وفق ما تنقل وسائل اعلام محلية، لقاءات للتفاهم حول صيغة الحكومة قبل بدء الاستشارات النيابية.

وقال مصدر مصرفي محذراً إنه “في حال لم يتم تشكيل حكومة في وقت قريب، فإن الوضع في البلاد سيسوء أكثر”.

وحض البنك الدولي لبنان الأربعاء على تشكيل حكومة سريعاً، وقال إن “الآتي يمكن أن يكون أسوأ إن لم تتم المعالجة فوراً”.

وتبلغ الديون المتراكمة على لبنان 86 مليار دولار، أي ما يعادل 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، والجزء الأكبر منها تمّت استدانته من المصارف والمصرف المركزي.

وخفضت وكالة “موديز” الثلاثاء التصنيف الائتماني للبنان ليصبح “سي إيه ايه – 2″، محذرة من تخفيض آخر في حال استمر الوضع على حاله.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى