نوافذ

“دولة” لا “سلطة”

لُجين سليمان

في الأيام الأولى بعد سقوط النظام، خاصة خلال الشهر الأول، عمل عناصر الأمن العام على طمأنة

المجتمعات المحلية، سواء تلك التي كانوا متواجدين فيها أو التي انتقلوا إليها. ووفقًا لروايات موثوقة، كان الأمن يخاطب الناس بعبارات مثل “نحن إخوتكم”، ويتوجهون إلى أصحاب المحال التجارية الذين اختبأوا خوفًا في منازلهم، مؤكدين لهم أن الأوضاع آمنة وداعمة لعودتهم إلى حياتهم الطبيعية. ولكن وعلى الجانب الآخر،

لا يمكن تجاهل الانتهاكات والمجازر التي حدثت، أو التصرفات العشوائية التي طالت مدنيين، والذين قد يرون في هذه الطمأنة مجرد كلمات لا تعيد لهم أقارب فقدوهم خلال المجازر..

وهو ما يعني أنه على المستوى الاجتماعي، شهدت العلاقة بين الأمن السوري والمدنيين بعض الإيجابيات، لكنها ظلت سطحية ولم تتحول إلى نموذج حقيقي لبناء ثقة مؤسسية. فغياب إشراك المكونات المجتمعية كافة في الحكم، وإصرار سلطة الأمر الواقع على الاستئثار بالسلطة، أعاد للأذهان سياسات النظام السابق، خاصة في

مرحلته الأخيرة التي روجت للصمود بينما كانت تقمع أي محاولة لإحياء الحياة السياسية أو الاجتماعية. رغم أن سوريا تمتلك تنوعًا غنيًا وكفاءات عديدة، بما في ذلك من عاشوا بالخارج وعادوا بخبرات عالمية، إلا أن السلطة آثرت الاستبعاد بدلًا من الإدماج..

هذا النهج السلطوي ترك آثارًا عميقة على المجتمع، حيث انقسم الناس بين مؤيدين جدد للسلطة بتعصب يذكرنا بشبيحة النظام السابق، ومعارضين لكل ما تقدمه، حتى لو كان إيجابيًا. هذه القطبية الاجتماعية، المليئة بالنفور والتشنّج، تعيد إنتاج النموذج القديم الذي صنعه النظام السابق، حيث تحول الولاء أو المعارضة إلى هويات جامدة. وهو ما يعني أن الخروج من هذا المأزق يتطلب سلطة عادلة ترفض الإقصاء، وتؤسس لشراكة حقيقية تعكس تنوع الشعب السوري وقدراته. فبدون ذلك، ستستمر الحلقة المفرغة من التقسيم والكراهية.

على الرغم من أن ما نسعى إليه نحن السوريون هو دولة تجعلنا ننسى ما مرّ علينا سابقا، وعلى الرغم من وجود بعض المبادرات الفردية في هذا الخصوص، إلا أنها تبقى غير كافية في ظل وجود طموح كبير لنذهب أماما بما لا يعيدنا إلى الحضيض الذي كنا فيه. البعض من عناصر الأمن العام من السوريين أبدوا انتماء ومبادرات فردية أظهرت أنها لم تكن كافية في ظل غياب سلطة تحب الجميع وتحتويهم. فالدولة الشاملة والجامعة هي الكفيل الوحيد بتأمين حماية حقيقية لكل أفراد المجتمع سواء كانوا شبيحة جدد أو غيرهم.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى