افتتاحية الموقع

رجال الأعمال ومصالح الوطن

د. ماهر عصام المملوك

في عام 2004، صدف أن وجهت إلي الدعوة من الصحفي والروائي الراحل الياس خوري لإجراء لقاء صحفي لصالح مجلة الإنشاء في عددها الافتتاحي الأول. كان اللقاء فرصة للتعبير عن مجموعة من الآراء والتطلعات لدي ضمن رؤيتي لعالم الأعمال والاقتصاد، وأجد أن تلك الآراء والتطلعات والرؤى مازالت تمتلك حرارتها وحيويتها خاصة مع ما نمر به من ظروف في منطقتنا العربية لذلك وجدت أن إعادة نشرها الآن قد تشكل فائدة ما ومساهمة في صياغة مستقبل أفضل.

 المفهوم التقليدي لرجل الأعمال يتغير وهو يخدم مصالح وطنه لأنها ماصالحه

 حول العلاقة بين الهندسة المدنية والدكتوراه في العلاقات الدولية وكان الجواب:

ما شدني إلى السعي لنيل شهادة الدكتوراه والتخصص في العلاقات الدولية هو إدراكي مدى تأثير العمل التجاري وبخاصة الذي تمارسه الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات على القرار السياسي.

ويكفي أن ننظر إلى الولايات المتحدة، والتي من المفترض أنها أبرز الديمقراطيات في العالم، لنلمس مدى القوة والنفوذ اللذين تمتلكهما الشركات الكبرى وقدرتها الهائلة في التأثير على القرار السياسي إن من حيث دعم الحملات الانتخابية للمرشحين لإيصال من يخدم مصالحها أو من حيث الموقع المؤثر الذي تمارسه على رجال السياسة والإدارة.

وهذا ما ليس بخاف على أحد، فالسياسة تعمل إجمالا في خدمة الاقتصاد، ورجل السياسة يأخذ في الحسبان دائماً مصالح بلاده وعلاقاتها الاقتصادية مع الآخرين، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن العالم ينكمش ليصبح قرية صغيرة فإننا نلاحظ هذه الأيام وبأقوى من أي وقت مضى التأثير الهائل الذي باتت تمارسه الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات على السياسة الدولية.

من هنا فإن الأعمال باتت تأخذ طابعاً أ دوليا كثرمن السابق ، أي أن آلية العمل لرجال الأعمال بدأت تتبلور من خلال ما يمكن تسميته نواد مشتركة تضم رجال الأعمال والاقتصاديين والخبراء الذين يلتقون في مؤتمرات وندوات دورية ليتحاوروا ويتناقشوا ويتبادلوا الخبرات والأعمال، ومن خلال هذه الأعمال الجماعية يستطيع رجل الأعمال أن يثبت وجوده ويجعل صوته مسموعاً ويصبح بطريقة أو بأخرى سفيراً طوعياً لبلاده يعمل في خدمتها والدفاع عن مصالحها التي هي في النتيجة مصالحه.

باختصار يمكن القول إن المفهوم التقليدي لرجل الأعمال سواء أكان مهندساً أم تاجراً أم خبيراً مالياً واقتصادياً هذا المفهوم تغير وتطور ليتماشى مع التطورات والمستجدات في عالم اليوم وعلى رأسها العولمة.

هل هذا ما هو حاصل بالنسبة لرجال الأعمال السوريين؟

لا نزال في البدايات وإن كان الاستمرار يبشر بالخير، وهنا أود أن أشير إلى أن الاشتراك السوري الرسمي في تلك المؤتمرات والندوات ما يزال محدوداً وضيقاً وكذلك المشاركة الخاصة إذ أنها تحتاج إلى تكاليف وتفرغ قد لا يكونان متوفرين للجميع.

إن عدد سكان سورية يناهز 18 مليون نسمة ولدينا القدرات كماً ونوعاً، وحضورنا الخارجي يجب أن يكون أكثر فعالية مما هو عليه ليس فقط لخدمة مصالح سورية المادية، وإنما أيضا لخدمة قضايانا الوطنية والتعريف بها عالمياً.

لنأخذ على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية.. هناك جهل تام بحقيقة الوضع في سورية على مستوى الكونغرس ليس فقط بسبب النفوذ اليهودي وإنما أيضاً لأننا مقصرون في إيصال صوتنا إليه وفي التأثير على أعضائه.

هناك لوبيات مصرية ولبنانية وسعودية في الولايات المتحدة تتصدى وإن نسبيا للمزاعم الصهونية والتيارات المتصهينة لكن حتى الآن ليس لدينا لوبي سوري فاعل وصوت سورية إن وصل إلى هناك فإنه يصل بشكل شخصي ويعجز عن تحقيق الأثر المطلوب.

وأظن أن مشاركتنا الدائمة والفاعلة في العلاقات الدولية ستساعدنا على تعويض هذا التقصير.

لماذا برأيك هذا التقصير؟

الأسباب عديدة أبرزها أن سورية دولة مواجهة وهذا يفرض عليها أعباء ثقيلة جداً تحد من إمكانيات تحركها خارجياً. كما يجب ألا ننسى العامل الإسرائيلي الذي يحاول دائماً تخريب العلاقات بين سورية والولايات المتحدة.

إلا أن هذا لا ينفي أن ثمة جهوداً تبذل للخروج من هذا الوضع، ولدي إيمان كبير بأن سورية قادرة بما تملكه من إمكانيات مادية وكفاءات بشرية على تجاوز العراقيل القائمة في طريقها.

ولا ننسى أن الإصلاحات الراهنة ستؤدي في حال تم تطبيقها كما هو مأمول وإزالة ما يعترضها من عقبات وتجاوز العقلية البيروقراطية والروتين والمحسوبيات والأخطاء ستؤدي إلى وضع سورية على طريق التنمية والازدهار لأكرر أن الإمكانيات والقدرات متوفرة لكن المهم أن يتم استخدامها بالشكل الصحيح.

أخيراً..كرجل أعمال ماذا تريد؟

كأي مواطن محب لوطنه أريد أن يكون هناك تفاعل حقيقي بين القطاع الحكومي ورجال الأعمال عبر تقديم الدولة المزيد من التسهيلات القانونية والإدارية والإجرائية والحد من البيروقراطية وذلك لتشجيع رأس المال الوطني الموجود في الخارج على العودة إلى الوطن واستثماره بالشكل الصحيح لعلمي الأكيد أن ودائع السوريين في الخارج هي بانتظار المزيد من الضمانات لتطمئن وتعود.

كما أتمنى على الدولة أن تشجع حركة رجال الأعمال ونشاطاتهم في الخارج ليتمكنوا من خلق قنوات تخدم الوطن وتجعلهم يشعرون بأنهم أصحاب قضية ورسالة نبيلة.

الإنشاء- العدد الأول- آذار 2004

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى