شرفات

رسالة إلى المسؤولين عن الثقافة

عماد نداف

هناك موازنة كبيرة للثقافة تخصص في الموازنة العامة للدولة، وهناك مركز ثقافي في كل حي ومنطقة وقرية، وهي توجيهات عليا كانت ومازالت ملحة ودؤوبة تتعلق بدعم الثقافة، ومثل هذه المنشآت الحضارية كلفت الدولة مليارات الليرات السورية ، وكان متوسط تكلفة المركز الثقافي أيام زمان أكثر من مليون دولار، وفيه موظفون وإدارة ومكاتب وطابعات وهواتف وأجهزة تسجيل وشاشة سينما وآلات عرض، وهناك حدائق تحيط بالمراكز وبحيرات ونوافير وأرصفة من الرخام، أي أن هناك صروحاً ثقافية نُحسد عليها نحن السوريون، فما بالكم بدار الأوبرا التي تعتبر من أهم الصروح الثقافية التي أنشئت في سورية في القرن العشرين والتي لم يدخلها من السوريين إلا أعداد قليلة، وهناك هيئة عامة للكتابة تنشر الكتب الجيدة منذ نشوئها!

هذا يعني أن البنية التحتية للثقافة موجودة وجاهزة، وهناك توجيهات حاسمة تتعلق بالثقافة ودورها في الحياة الاجتماعية، لكن الحقيقة التي يجب أن تقال في هذه المرحلة هي أنه لاتوجد ثقافة بمعنى أنه لا يوجد آليات عمل للثقافة وإعادة إنتاجها جيلا بعد جيل، والحجة هي ظروف الحرب، رغم أن المسألة تعود إلى ماقبل الحرب، فمن هو المسؤول عن هذه الحالة، وكيف يمكن تجاوزها؟!

وللأمانة : هناك دور سينما مغلقة وكان السبب منع استيراد الأفلام ، وهناك مؤسسة عامة للسينما تنتج فيلما أو فيلمين وتحتفل بهما ثم تنام إلى الموسم التالي، ولم يبادر أحد إلى حل هذه المشكلة إلى أن أغلقت السينما أبوابها، وإذا بنا نفاجأ بترجمة ونشر أكثر من خمسين كتابا عن السينما ثم تقيم المؤسسة دورات للسينما ثم تقيم معهدا شبيها بالمعهد العالي للمسرح، لكن دور السينما ظلت مغلقة ، وظل الإنتاج السينمائي في دوامة ، ومات القطاع الخاص السينمائي ودفن .

هناك مسارح شبه مغلقة، ولم يبادر أحد إلى حل مشكلة المسارح لا قبل الحرب ولا بعدها ، وهناك منصات للشعر والأدب والبحث والترجمة تفتقر أنشطة تليق بها بسبب تراجع الدعم المالي لها، وببساطة أصبحت حكاية الثقافة حكاية تحتاج إلى فكفكة رموزها فالقرار السياسي مع الثقافة والمؤسسات عاجزة !

كان التضخم في المؤسسات من أهم المخاطر التي أساءت للثقافة، وكانت آليات العمل تعمل ضد نفسها، فتراجعت المواهب وانحسرت المبادرات حتى غدت الثقافة مجرد قالب كاتو تشعل شموعه في المناسبات .

وهناك (مسكين) في سيرورة الثقافة هو (المثقف)، الذي يعاني وكأن كل هذه البنى التحتية لم تشمله برعايتها، وهنا كي لايضيع المصطلح أقصد منه المعنى العام الذي يشمل الباحثين والمترجمين والكتاب والشعراء والنقاد والسينمائيين والدراميين ومختلف أنواع الناشرين في الثقافة الوطنية .

وإذا كان المثقف يعامل كآخر درجة في آليات العمل ، فإن كل البنى التحتية التي قدمتها الدولة والمجتمع عبر عقود طويلة سوف لن تعمل، وسنجد أن هذا العنصر الأساسي يختفي أو ينأى أو يهاجر.

في الوقت نفسه تعلو الأصوات على المنابر من المسؤولين بأن الثقافة سلاح من أسلحة الدفاع عن التاريخ والوطن والهوية، وشاهدنا في إحدى المرات مؤتمرا صحافيا مفتوحا لمسؤول ثقافي على الهواء أكثر من ساعة يتحدث عن التراث اللامادي، وكثيرون سألوا ماهو التراث اللامادي!

فلماذا يبدو السيف ملتصقا في غمده، وإذا كانت المسألة تتعلق بالمشروع الثقافي (الضائع) الذي يرى البعض أنه موجود وعلينا أن نلتف حوله، ويصر البعض الآخر على أنه غير موجود وعلينا إعادة إنتاجه بما تفرضه مستجدات العصر والوطن وتوجهات الأجيال.. إذا كانت المسألة هكذا، فلماذا لانعيد إنتاج المشروع الثقافي ونفعل أدواته .

ويقولون إن وسائل العصر أبعدت الناس عن الثقافة، لأن الأجيال انشغلت بوسائل التواصل، وهذا يعني اتساع المخاطر المتعلقة بالوجدان الثقافي للأمة، ولايعني ترك الثقافة في العراء، بل على العكس يفترض أخذ ذلك بعين الاعتبار فالحضارة قدمت لنا وسائل جديدة علينا أن نستثمرها بطاقتها الكبرى والواسعة لا أن نتركها تفعل فعل السم.

أدعو وزيرة الثقافة السورية إلى إقامة ورشات حوار مع المثقفين لكشف جوهر الأزمة، وإذا كان جوهرها مالي فليشارك السيد وزير المالية في الحوار ويتحمل المسؤولية، وإذا كانت الأزمة في المثقف فليكن هو المسؤول..

إن هذا النوع من الحوار ضروري، أو فإن الثقافة ستبقى في أزمة، وكل مابنيناه ستأخذه الريح العاتية القادمة من كل الاتجاهات .

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى