رواية (مقبرة العظماء): تستحضر السياسة وتبحث عن الإنسان!

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

في رواية (مقبرة العظماء) للكاتب الأمريكي السوري الأصل مقبل الميلع نشرت في أمريكا باللغة الإنكليزية ، ثم عاد المؤلف وترجمها إلى العربية، تستوقنا محاولة الكاتب العربي تقديم رؤية سياسية عن وقائع القرن العشرين عبر استحضار وقائع وأحداث وشخصيات تاريخية حقيقية لتقديم هذه الرؤيا.

تلك متعة كبيرة أن تعود إلى التاريخ، وتأتي بشخصياته لتحاسبها عما فعلته، وتكون المتعة في ذروتها عندما يكون هؤلاء المستحضرون عظماء أو قادة أو ذوي قرار تاريخي مؤثر. ورواية (مقبرة العظماء) فعلت ذلك لكنها تثير مجموعة أسئلة حتى قبل قراءتها، فمن هم العظماء؟ ومن أي عصر انتقاهم الكاتب؟ وإلى أي منهج يستند الكاتب في تحليله للشخصيات في بناء سرديته الطويلة، فيحاسبهم عما فعلوه ؟!

يمكننا العثور على أكثر من إجابة عند أولئك الذين اشتغلوا بالتاريخ، ويلفتنا في تلك الإجابات صاحب قصة الحضارة ول ديورانت عندما يتحدث عن  دور الشخصيات العظيمة في التاريخ فإذا هم ، أولئك الذين يسبقون أزمنتهم وأمكنتهم لتغيير مجرى الأمور، مستغلين في ذلك بعد النظر أو العلم أو الذكاء.

وهنا يفرض السؤال نفسه : هل ينطبق ذلك على الأعداء ؟!

ذلك هو سر الرواية، فهي تتحدث عن القرن العشرين، وفي القرن العشرين انطوت أحداث كبرى ومفاصل تاريخية حاسمة بدءا من الحرب العالمية الأولى وأفول الإمبراطورية العثمانية مرورا بالحرب العالمية الثانية والحرب الباردة وصولا إلى سقوط الاتحاد السوفييتي وعصرنا الذي نعيش فيه حيث تجري متغيرات قد تؤدي إلى نظام عالمي جديد، وفي هذا الامتداد الزماني نقف عند حروب أخرى كحرب كوريا والفيتنام وحرب البوير وحرب حزيران وحرب تشرين وحرب الخليج وغيرها ونكتشف أن المكان التي تشتغل عليه الرواية يتسع ليصبح العالم وإن انحصرت وقائع الرواية في مقبرة موصوفة بعناية يسميها مقبرة العظماء وهي عنوان الرواية..

سبق الكثيرون فكرة مقبرة العظماء، وفي تجربة ول  ديورانت نقرأ حوارًا افتراضيًا بين فيلسوف يعارض الحرب وقائد عسكري يرى أنها أمر لا بد منه. فيحاجج ديورانت على لسان القائد العسكري بأن الناس تموت بكل الأحوال، فما الذي يمنع أن يكون موتهم تجاه أوطانهم وقضاياهم؟

أليست هذه محاولة لمحاكاة مقبرة العظماء، يرد الفيلسوف بأن الحرب ربما تكون بالفعل ضرورة تاريخية لتسيير الأمور وتحقيق المنافع، لكنه يظن أن ثمة ما يدفعنا للوقوف بوجه هذه الصيرورة التاريخية، والتخلي حتى عن المنافع والمصالح، ألا وهو الإنسانية، التي توجب مراعاتها حتى لو أدت بالدول إلى الخسارة والتراجع.

وتلك هي فكرة الرواية!

ذلك يعني أن الكاتب مقبل الميلع قارئ جيد وعميق لتفاصيل التاريخ وأهدافه، ومتابع دؤوب ودقيق للأحداث السياسية التي شهرها القرن الماضي . وكما يقول ابن خلدون فإننا عندما نقرأ التاريخ نصبح حكاماً عليه، فماذا جرى في مقبرة العظماء ؟

جمع الكاتب أفكار ومواقف من أسماهم بعظماء القرن العشرين في مقبرة، وذلك لمحاورتهم “واستنباط آرائهم للوقوف على الحقيقة”[1] ومقبرة العظماء ، كما يراها الكاتب” ليست رواية تاريخية” هي رواية ” أدبية” ” زمانها القرن العشرون، وبناؤها أهم الأحداث التي توجت ذلك القرن”[2]. وفي ذلك خلل يمكن اكتشافه بعد الانتهاء منها فهي رواية سياسية بامتياز، زمانها مفتوح على التاريخ الماضي والحاضر والمستقبل وبناؤها البحث عن السياسة التي تطفو على سياسة الحروب والقتل لتحمي البشر؟

من هم الذي نبش الكاتب قبورهم، واستعاد أفعالهم ، وأنشأ حوارا افتراضيا معهم ليكشف كلَ مافعلوه في مواقعهم التي شغلوها في التاريخ ؟ هم ببساطة نخبة القرن العشرين الذين تواجهوا في الحرب، أو في “جنون القرن”، كما يسميه، أو تلاقوا في فهم المصالح، أو اختفوا وراء الرمز المرسوم بعناية، ونذكر منهم : هتلر وستالين والسلطان عبد الحميد وديغول وتشرشل وعبد الناصر وغاندي .

ولكي يستطيع الكاتب أن يعبر عن هذه الشخصيات ينبغي أن يقرأ بعمق أفكارهم والوقائع التي شهدوها وأهم المفاصل التاريخية في القرن العشرين، وفي عملية السرد وضعتنا الرواية أمام التفاصيل الحقيقية ثم بنت عليها تصورات افتراضية للمواجهة تشبه الفانتازيا في التعامل مع التاريخ وشخصياته.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

[1] الراواية ص8

[2]  الراوية ــ ص9

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى