سؤال يطل بيأسه على عراق مستباح لو لم يكن القتيل أميركي الهوى، هل كان المالكي يذهب بنفسه لتتبع قاتله؟ (فاروق يوسف)

 

 

فاروق يوسف

أن يذهب رئيس وزراء في بلد ما بنفسه على رأس قوة عسكرية من أجل القبض على قاتل، فإن ذلك يعني أن الانهيار الامني في ذلك البلد قد بلغ مرحلة ميؤوس منها. ففي تفاصيل الحادث المأساوي الذي شهده أمس المجمع الرئاسي في بغداد، نقرأ أن ضابطا في فوج الرئاسة قام بقتل الصحفي محمد بدوي الذي يعمل مدير تحرير في اذاعة العراق الحر التي تمولها الحكومة الاميركية. وحين قامت قوة خاصة بمحاصرة الفوج للقبض على القاتل رفض الفوج تسليمه، وهو ما اضطر المالكي بسببه إلى الدخول شخصيا إلى ساحة النزال.
يحدث هذا في بلد أدعت الولايات المتحدة حين غزته قبل أكثر من عشر سنوات أنها ستنتقل به وبشعبه من مرحلة استبداد الفرد إلى مرحلة تسودها روح العدالة التي تستند إلى القانون الذي يقف أمامه الجميع متساويين. وهي كذبة صدقها الكثيرون، بضمنهم الصحفي القتيل الذي دأبت الاذاعة التي يعمل فيها على تجميل القبح الذي صار واضحا أنه يشكل واحدة من أهم أهداف الحملة الاميركية.
ما لم يره العراقيون من مظاهر الاستباحة والعبث بأرواحهم وكرامتهم وحريتهم وممتلكاتهم طوال خمس وثلاثين سنة، هي الزمن الذي استغرقه حكم حزب البعث في العراق، صاروا يرونه كل لحظة في عراقهم الديمقراطي الجديد.
كما لو أن المحتل كان قد أطلق سراح ارواح شريرة من مخائبها السرية لتكون جاهزة لتنفيذ أوامره حين تكف قواته وأفراد شركاته الأمنية عن القتل لسبب أو لآخر. وهو ما أنجزه جيش المهدي وفيلق بدر وتنظيم القاعدة متضامنين بين سنتي 2006 و2008 في حرب شنتها الميليشيات على الشعب العراقي وأضفت عليها القوات الاميركية التي كان ذلك القتل يقع في حضورها، طابع الحرب الأهلية.
كانت تلك الحرب في حقيقتها نقلة تاريخية ارادها المحتل فاصلة بين العراق التاريخي الذي كان العراقيون فيه ينعمون بالآمان والأخوة والتسامح والكرم الأخلاقي والعراق الجديد الذي اخترعته آلة الاحتلال الاعلامية. وهو عراق العشائر والعوائل والملل والنحل والأثنيات التي تفصل بينها الخنادق وذكريات القتل السوداء.
ستكون الرؤوس المقطوعة، المتروكة في المزابل، واحدة من أهم علامات تلك النقلة التي جعل منها المحتل ميزانا لقياس ولاء الجماعات الحزبية التي أحضرها معه لتكون في ما بعد اللسان الذي يزين مشروعه بالأكاذيب واليد التي تقضي على أعداء مخططه. كانت سياسة الرعب هي النهج الذي ورثه عراقيو الحكم من المحتل.
وإذا ما عدنا إلى حادثة الأمس المأساوية فان القاتل والقتيل ينتميان إلى المدرسة نفسها. فقوات البيشمركة التي يحتمي بها الرئيس العراقي جلال الطالباني، وهو الرجل الذي يحرص العراقيون على عدم الاعلان عن وفاته، هي في حقيقتها ميليشيا تنفق عليها الحكومة العراقية من غير أن تكون مسيطرة عليها، الأمر الذي جعل القاتل مطمئنا إلى أن جريمته ستمر بهدوء في ظل تهديد الاقليم الكردي الذي يرعى تلك الميليشيا بالانفصال في مواجهة حكومة ضعيفة هزم جيشها في معركة، ارادتها حربا لتحرير الغرب العراقي من حكم القاعدة (داعش) فإذا بها تكتفي باستقبال النعوش. البيشمركة تعرف جيدا أنها لا تخضع للقانون العراقي.
اما القتيل وقد كان مطمئنا إلى أن هويته المجازية الاميركية فان الأوهام التي كان يسوقها من خلال عمله الصحفي قد الهمته قوة، لم يكن في حقيقته يمتلكها. لقد جازف الرجل بحياته من أجل كذبة كان قد صدقها.
بالنسبة لقاطعي الرؤوس فان رأسا مضافا لا يشكل عقدة في الطريق إلى الهدف.
ربما أخطأ البيشمركي الهدف هذه المرة.
لقد أحرج بفعلته الولايات المتحدة حين قتل واحدا من موظفيها.
لو لم يكن القتيل أميركي الهوى، هل كان المالكي يذهب بنفسه لتتبع قاتله؟
سؤال يطل بيأسه على عراق مستباح.

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى