افتتاحية الموقع

سلام ترامب: إدارة غزة أم إدارة المنطقة كلها؟!

‏د. فؤاد شربجي

شكرا للرئيس ترامب الذي أوقف الحرب على غزة وطرح خطة لإدارة القطاع، وقال إنها تشمل المنطقة كلها. شكرا للقادة العرب حيث نجحوا عبر تعاونهم مع ترامب في اقناعه إلى اتخاذ (موقف جدي)، وفي دفعه إلى (مسار جدي) لتحقيق وقف الحرب في غزة. ويتابع العالم نتائج (جدية) ترامب في تنفيذ خطته أولا في إدارة غزة، ومتابعة في إدارة المنطقة كلها. وكما سميت إدارة غزة “السلام في غزة”. يطلق على إدارة المنطقة “السلام في المنطقة” كلها. أهل غزة استعادوا إمكانية التنفس والشعور بالحياة تحت شعار (سلام وصاية أفضل من حرب إبادة). والقادة العرب يستبشرون بنجاح دورهم ومشاركتهم مع ترامب في ترتيب إدارة المنطقة. واسرائيل مرتاحة لما تحقق رغم أن نتنياهو ما زال يطمح بما هو أكبر.

‏السلام في المنطقة أو إدارتها بطريقة مستلهمة من خطة ترامب في غزة، بدأ هذا السياق قبل سنوات. من جهة سرب عن نتنياهو قوله مرارا (نحتاج إلى 11 أيلول إسرائيلي) وبات واضحا أنه عرف بطوفان الأقصى قبل تنفيذه وتركه يمر ليعلن في اليوم الثاني أن (إسرائيل تعرضت لما تعرضت له أمريكا في 11 أيلول). وبدا حرب الإبادة التي كان يحضرها لتهجير الفلسطينيين وصولا إلى إسرائيل الكبرى. وسقطت المنطقة تحت وابل حرب عدوانية ابادية تشنها إسرائيل على غزة وعلى دول أخرى في الجوار، والهدف السيطرة على المنطقة برمتها.

‏مع طوفان الأقصى وصل محور المقاومة إلى درجة متقدمة من الفعل والتأثير، سواء في لبنان أو العراق أو اليمن أو سوريا. وتحت شعار مقاومة العدوان الإسرائيلي وتحرير القدس سيطرت إيران عبر مليشياتها على أربع عواصم عربية. وبلحظة حصول نتنياهو على 11 أيلول الذي انتظره عبر طوفان الأقصى شن (حربا تدميرية) على حزب الله، وأطلق وأكمل (حرب أسقاط) على النظام السوري، وطال إيران منزلا في برنامجها النووي (حرب تخريب). كل ذلك كان بموازاة (حرب اغتيالات) أودت بقادة محور المقاومة من حسن نصر الله إلى هاشم صفي الدين، إلى إسماعيل هنية، إلى صالح العاروري، إلى يحيى السنوار، ومعظم قادة حزب الله والحرس الثوري الإيراني وعلماء إيران النوويين وقادتها العسكريين، وقادة حماس الأساسيين كلهم. سقط محور المقاومة وإسرائيل مستمرة في حربها ضد غزة، وضد سوريا رغم تغيير النظام، وضد اليمن وضد إيران. كل ذلك طبعا بالتنسيق والتعاون والمشاركة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك من يرى أن إسرائيل وأمريكا وحلفاؤهما تركوا محور المقاومة يكبر ويقوى لينفذ ما نفذه في لبنان وسوريا والعراق. ظنا منه أنه يكرس نهج المقاومة بينما هو كان في الحقيقة يقوض أسس الدول التي عمل فيها (لبنان والعراق وسورية)، ويشعل فتنة سنية شيعية وفق ما رأت الدوائر الصهيونية الأمريكية، وماعملت على تكريسه إعلاميا وسياسيا. إضافة إلى أن محور المقاومة سعى الى عرقلة مشاريع الخليج العربي في التنمية والازدهار عبر اثارة التوتر والاضطراب في المنطقة. وبعد أن حقق محور المقاومة هذه الأهداف من وجهة النظر الصهيونية جاء وقت الحسم. ورأت الدوائر الصهيونية لم يعد مفيدا ترك هذا المحور مستمرا. وأن زمن إنهاء الاستفادة مما يفعله أزف، فمرر نيتنياهو طوفان الأقصى ليطلق حرب الإبادة وليشن معارك إعادة الهندسة الجيوسياسية للمنطقة وفق خطة ترامب التي قال نتنياهو أنه هو من وضعها مع ترامب.

‏مع إعلان قاسم سليماني سيطرة إيران عبر مليشياتها في محور المقاومة على أربعة عواصم عربية أساسية وجد القادة العرب أنفسهم أمام خطر يستفحل في تهديده للمنطقة كلها وليس لأنظمتهم فقط. ومنذ العام 2022 بدأوا في تنسيق مواقفهم مع الإدارة الأمريكية لمواجهة خطر هذه المليشيات العاملة تحت تحت شعار المقاومة. والتنسيق مع أمريكا يصل طبعا إلى التنسيق مع إسرائيل. ومنذ يومين سربت الواشنطن بوست وثيقة سرية، جرى التحقق من صحتها حسب الصحيفة الأمريكية، تفيد بتعاون أمنى عسكري بين دول عربية وإسرائيل برعاية وقيادة وإدارة أمريكية. وهو تعاون قام ضمن إطار تحقيق (هيكل أمني إقليمي). أي أنه تعاون هدفه ترتيب الإقليم وأدارته. وعندما اشتدت أعمال إسرائيل في ابادة شعب غزة، قدمت الإمارات قبل عام خطة لإدارة غزة في اليوم التالي، ولكن لم تقبلها حماس وطويت هذه الخطة الإماراتية. وقبل شهر من الآن في نيويورك، وعبر متابعة لأعمال مؤتمر حل الدولتين، اتفقت الدول العربية والإسلامية واصدرت بيانا واضحا نص على نزع سلاح حماس وخروجها من القطاع ووقف الحرب وإدارة القطاع بالتكنوقراط. هذه الخطة وافق عليها في البيان الصادر عن العرب والمسلمين كل من قطر وتركيا، وهم رعاة وداعمو حماس الأساسيين. وأستثمر القادة العرب حماقة نتنياهو في قصف الدوحة للضغط على ترامب واستطاعوا عبر الخطة المتضمنة في بيانهم الأخير إقناع ترامب بها. وبعد تعديلات إسرائيلية أصبحت ما يعرف الآن بخطة ترامب. أي أن العرب كانوا أساس هذه الخطة وإنها جاءت بعد سنوات طويلة من التعاون العربي الأمريكي لإيجاد حل للمنطقة. انطلاقا من حل يبدأ في فلسطين ليشمل المنطقة كلها. وما إدارة القطاع في خطة ترامب إلا النموذج الواجب اتباعه لإدارة المنطقة كلها تحت عنوان (سلام شامل) في المنطقة.

‏بعد شكر ترامب على خطته، حيث أن (سلام وصاية أفضل من حرب إبادة)، وبعد شكر القادة العرب على نجاحهم في إقناع ترامب بالانخراط في عمل جدي لإدارة المنطقة، علينا أن نفهم أننا على أبواب (مرحلة جديدة) في المنطقة تكون الإدارة فيها لترامب وللدولة الأمريكية العميقة، وهي مرحلة لا مقاومة فيها، ولا ميليشيات، ولا نفوذ إيراني، ولا إيديولوجيات قومية أو دينية. مرحلة تتجه فيها دول المنطقة القوية منها أو الهشة، الفقيرة أو الغنية. الى الانخراط في سياق اقتصادي استثماري تحت شعار التنمية والازدهار، تكون الحصة الأكبر فيه لأمريكا وشركائها. ومع بقاء إدارة المنطقة بيد أمريكا تبقى إسرائيل (القوة العظمى) فيها والذراع العسكرية المخابراتية الجاهزة لفرض الإدارة الجديدة الأمريكية العربية على دول وشعوب المنطقة. أنها مرحلة إدارة أميركية دائمة تهيمن على المنطقة بوعود تنمية وازدهار بدل تهدئة مؤقتة لحرب بتهديدات إبادة وإفناء. وعلى الجميع التفكير بجدية لإيجاد أسلوب مفيد للتعامل مع هذه الهيمنة، على كل الأطراف البحث عن طريقة تمكنهم من الاستثمار تحت مظلة هذه الهيمنة بالإدارة المسماة أميركيا “السلام الشامل”.

‏يبدو أن أهم معاني إستراتيجية ترامب نتنياهو (السلام بالقوة). يمكن أن يكون (الهيمنة بالإبادة) أو (الإدارة بالخضوع). وعلى العرب أيجاد طرق جدية للنجاة والحياة والتكيف تمهيدا لاستعادة النهوض والدور، والحياة لا تقف والتاريخ لا ينام طالما هناك أحياء يفعلون.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى