سورية محل نزاع بين تركيا والولايات المتحدة ( سونير كاغاباتي)

سونير كاغاباتي
 
ظهرت أولى الإشارات إلى شعور أردوغان بالإحباط حيال سياسة واشنطن في الخامس من سبتمبر، حين انتقد أردوغان أوباما عبر شبكة CNN لغياب المبادرة الأميركية في القضية السورية… وهذا بالتأكيد انتقاد قلما نسمعه من صديق مقرب جداً من الولايات المتحدة.
قدمت العلاقات الوطيدة، التي أقامها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، للولايات المتحدة الأميركية حليفاً مسلماً بالغ الأهمية في الشرق الأوسط. فقد تعاونت واشنطن وأنقرة عن كثب لتحقيق الاستقرار في العراق، لكن عاصفة هوجاء تنتظرهما في سورية.
أعلنت تركيا أنها سمحت لقواتها بتنفيذ عمليات عسكرية في سورية عقب إطلاق هذه الأخيرة النار على مناطق تركية الأسبوع المنصرم، ولكن رغم اشتداد الأزمة في سورية، يبدو البيت الأبيض مستعداً للانتظار ريثما يسقط بشار الأسد، إلا أن أنقرة تعتبر هذه الأزمة أكثر إلحاحاً.
مع تنامي الاضطرابات والفوضى في سورية خلال الأشهر الثمانية عشر الأخيرة، افترضت أنقرة أنها والولايات المتحدة على وفاق تام بشأن ضرورة تغيير النظام في دمشق، ولكن بدأت تبرز أخيراً بعض الخلافات في وجهات النظر بينهما.
يشوب التردد قرارات إدارة أوباما بشأن سورية لأسباب عدة، منها الإحجام عن اتخاذ خطوات جذرية قبل انتخابات شهر نوفمبر وسأم الأميركيين من الحرب، لكن أردوغان يعتبر هذه المخاوف مجرد غطاء للامبالاةٍ عامة تجاه المشكلة السورية التي تواجهها تركيا. ظهرت أولى الإشارات إلى شعور أردوغان هذا في الخامس من سبتمبر، حين انتقد أردوغان أوباما عبر شبكة CNN لغياب المبادرة الأميركية في القضية السورية، وهذا بالتأكيد انتقاد قلما نسمعه من صديق مقرب جداً من الولايات المتحدة.
قد يكون هذا التصريح نذير سوء، إذ يميل أردوغان عادةً إلى التعاطي مع القادة الأجانب كما لو أنهم أصدقاء، وقد يخرج عن طوره عندما يظن أن أصدقاءه لم يقفوا إلى جانبه، وكلما أشاحت واشنطن بنظرها عن المشكلة السورية، ازداد استياء أردوغان بسبب ما يعتبره عدم استعداد أوباما لدعم سياسته.
ظنّ البيت الأبيض أن بإمكانه التحكم بالأزمة السورية، ولكن مع تصاعد حدة الصراع، تنامت لدى البعض مخاوف من أن تنحى سورية المنحى ذاته كما البوسنة في تسعينيات القرن الماضي: عندما لم يحرّك العالم ساكناً لوقف قتل المسلمين في تلك البقعة من البلقان، سارع المجاهدون إلى الانضمام إلى القتال. ونجحوا في إقناع المسلمين البوسنيين المعتدلين بأن العالم تخلّى عنهم وأنهم سيكونون أفضل حالاً بالتحالف مع المجاهدين.
تشدد السياسة الأميركية على فكرة أن من الممكن حل الأزمة السورية بأسلوب أكثر ليناً، وتعلّق الآمال على أن تتوحد مجموعات المعارضة السورية وتُسقط نظام الأسد، فتنتفي بذلك الحاجة إلى تدخل أجنبي ملحّ، خيار تخشى واشنطن أن يؤدي إلى الفوضى.
لكن أنقرة تريد حلاً عاجلاً، فقد بدأت تركيا، خصوصاً بعد اعتداءات الأسبوع الماضي، تشعر بحرارة أزمة جارتها، ويبدو أن أردوغان يملك أسباباً كثيرة تجعله يعتقد أن الانتظار يسيء إلى مصالح تركيا.
بدأت الطبيعة الطائفية للصراع السوري تتسرب عبر الحدود إلى تركيا، فقد لجأ أكثر من مئة ألف سوري سنّي عربي إلى الأراضي التركية، هرباً من ظلم الأسد وميليشياته العلوية، لكن العرب العلويين في جنوب تركيا يكرهون اللاجئين السنّة، ما يعكس الانشقاق السوري السنّي-العلوي. وقد عبّر العلويون الغاضبون في محافظة هاتاي الجنوبية التركية عن معارضتهم لسياسة بلدهم تجاه نظام الأسد، فبدؤوا مع بداية فصل الصيف بتنظيم تظاهرات مؤيدة لدمشق ومعادية لأنقرة. وهذه بالتأكيد مشكلة أنقرة، وقد تزداد سوءاً إن سقطت سورية في هاوية الحرب الطائفية المستعرة.
بالإضافة إلى ذلك، تخشى أنقرة حزب العمال الكردستاني، خصوصاً بعد أن سمح نظام الأسد أخيراً لهذا الحزب بالعمل على أراضيه كوسيلة رد على أنقرة، وتعززت مخاوف المواطنين الأتراك من تسلل عناصر حزب العمال الكردستاني إلى تركيا بعد تفجيره سيارة مفخخة في شهر أغسطس في غازي عنتاب، مدينة تركية كبيرة قرب الحدود، كذلك يعتبر أردوغان أن الكلفة السياسية المرتبطة بالاضطرابات السورية ارتفعت.
لا تخدم كل هذه التطورات آمال أردوغان بأن يصبح أول رئيس تركي يُنتخب من قبل الشعب عام 2014 (كان البرلمان يتولى انتخاب رئيس البلاد). صحيح أن حزب العدالة والتنمية، الذي يرأسه أردوغان، فاز بـ49.5% من الأصوات في انتخابات السنة الماضية، إلا أن اعتداءات حزب العمال الكردستاني قد تشوّه صورة الرجل القوي الذي يرسمها أردوغان لنفسه.
علاوة على ذلك، فاز أردوغان بعدد من الانتخابات المتتالية منذ عام 2002 بتحقيقه نمواً اقتصادياً مذهلاً، وذلك بإظهار تركيا كبلد مستقر آمن للأعمال والمستثمرين، وكلما طالت الأزمة السورية، أساءت إلى صورة تركيا، سالبةً إياها عنصراً مهماً في نجاحها الاقتصادي، ومعززةً فكرة أن أردوغان لا يؤدي دوره على أكمل وجه. ويعتقد أردوغان أنه لا يستطيع الوقوف مكتوف اليدين متأملا سورية وهي تجرّ تركيا إلى دوامة العنف.
من المرجح أن تضغط أنقرة على واشنطن في الأيام المقبلة لتدفعها إلى اتخاذ خطوات أكثر جدية ضد نظام الأسد، بما فيها توفير ملاجئ آمنة للاجئين في سورية تدعمها الولايات المتحدة واتخاذ تدابير أخرى تسرّع سقوط الأسد، لكن واشنطن ستكتفي بتمسكها بمقاربتها اللينة، محاولةً في الوقت عينه تخفيف اندفاع أردوغان.
صحيح أن الاختلافات في السياسة بين تركيا والولايات المتحدة خطيرة، إلا أنه من المستبعد أن تؤدي إلى قطيعة بين أوباما وأردوغان. فاعتماد تركيا على الولايات المتحدة أكبر من أن تضحي بهذه العلاقة بسرعة؛ فضلاً عن ذلك، يزداد استياء تركيا من طموحات إيران الإقليمية: يدرك أردوغان أن نظام طهران الشيعي يقدم الدعم العسكري لنظام الأسد في سورية وحكومة رئيس الوزراء الشيعي في العراق نوري المالكي، الذي تمقته أنقرة.
كذلك دفعت اضطرابات الربيع العربي تركيا إلى إعادة النظر في سياستها الخارجية، التي كانت من قبل أكثر صلابة. فهي تسعى اليوم إلى ترسيخ أمنها من خلال حلف شمال الأطلسي، وقد ظهر هذا التبدل جلياً في موافقة أنقرة في سبتمبر عام 2011 على استضافة منظومة دفاع صاروخية كبيرة يمكن أن يستخدمها الخلف كجدار صد ضد إيران، فضلاً عن روسيا والصين. رغم ذلك، عند التأمل في أوجه الاختلاف بين سياستَي أوباما وأردوغان بشأن سورية، ندرك ألا مفر من هبوب العاصفة بينهما.

صحيفة واشنطن بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى