مكاشفات

سورية وفصائلِ المُقاوَمة … أصالةُ العلاقة وديمومةُ الدَّعْم

د. محمد الحوراني

معَ تزايُد الضَّغْط الصهيونيّ على دُوَل المنطقةِ وفصائلِ المُقاوَمة، تتزايدُ النّقاشاتُ والطُّروحاتُ التي تُحاولُ النَّيلَ من العلاقة بينَ الدُّوَل الداعمة لفصائل المُقاوَمة وهذه الفصائل، وتبدو هذه النقاشاتُ والطروحاتُ والأفكارُ التي تعجُّ بها وسائلُ الإعلام التقليدية و(السوشال ميديا) في حاجةٍ ماسّة إلى التوقُّف عندَها ومُناقشتِها بهُدوءٍ ووعيومعرفةٍ عاليةِ المُستوى بتقديم الرؤية الحقيقيّة للمُتلقّي، ولا سيّما الشباب.

ولعلَّ أخطرَ ما يُواجِهُ هذه الدُّوَلَ، وسورية خاصّةً، في هذه المرحلة من حرب الإبادة الصهيونية على فلسطينَ ولبنان، ولا سيّما بعدَ اغتيال الأمين العامِّ لحزب الله السّيّد حسن نصر الله وثُلّةٍ من قادة المُقاوَمة، هو ما دفعَ بعضَ المُشكِّكينَ إلى التساؤل: لماذا تخلّتْ سورية وإيران عن فصائل المقاومة في فلسطينَ ولُبنانَ وغيرهما من دُوَل المحور؟ وهل صحيحٌ أنّ ثمّةَ تغييراً في الثوابت والمبادئوالإستراتيجية السورية المُقاوِمة، وهو تغييرٌ أدّى إلى الابتعاد عن دُوَلِ المحور، أو اتّباع سياسة النّأي بالنّفْس، والامتناععن تقديم أيِّ مُساعَدةٍإلى الفصائل المُقاوِمَة، وعلى رأسها حزبُ الله وحماس والجهادُ الإسلاميُّ والقيادةُ العامّةوغيرها من فصائل المقاومة؟ ولعلَّ القارئَ الحصيفَ لتاريخ سورية الحديث والمُعاصِر، والعارفَ بثوابتِ سياستِها الداخليّة والخارجية يُدرِكُ تماماً الأبعادَ الكامنةَ وراءَ إثارةِ هذه الأسئلة، والترويج لشائعاتٍ كهذه،ولا سيّما في اللحظات الفارقة من تاريخ المنطقة وتاريخ النَّهْج والفكر والعقيدة المُقاوِمَة فيها، ففي الوقت الذي يتحدّثُ فيه قادةُ العدُوّ عن إستراتيجيّاتهم وعقائدِهم القتالية وطموحاتهم في المنطقة، يُحاوِلُ بعضُ المُرْجِفينَ والمُتَخاذِلينَ إشاعةَ كلامٍ يدلُّ على رغباتٍ دفينة لدى مُطْلِقيهِ، وجهلٍ كبيرٍلدى أُولئِكَ الخُبراء والمُحلِّلينَ والإعلاميّينَ المُروِّجينَ لهذه الأفكار بطَرْحِها على وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، رغبةً في نشرِ هذه الأفكارِ الخبيثة وتعميمها في الحاضنة الشعبيّة للبيئة المُقاوِمَة،وهذا ما يُؤدِّي إلى خلخلةِ الحواضنِ الشعبيّة وزعزعتها، تمهيداً للدعوة إلى التطبيع ومُحاولةِ إقناع المجتمع بقَبُولِهِ بعدَ إيهامِهِ بتخلِّي الدُّوَل الداعمة لفصائل المُقاوَمة عنها أو بيعها في غمار الحرب وخضمِّ المعارك الدائرة بينَ قُوى المُقاوَمة والكيان الصهيونيّ، وبعدَ صُمودٍ مُشرِّفٍ للشعب الفلسطينيّ بعدَ أكثرَ من عامٍ على حرب الإبادة التي يَشُنُّها العدُوُّ الصهيونيُّ عليه، ولا سيّما في غزّة، وبعدَ ثباتٍ وإنجازات كبيرة تُضافُ إلى رصيد المُقاوَمة الوطنيّة اللبنانية، مُمثَّلةً بحزب الله، وكذلك المُقاوَمة اليمنيّة والعراقيّة والسُّوريّة التي وقفتْسنواتٍ طويلةً في وجهِ أشرسِ حربٍ تعرّضتْ لها سورية في تاريخها من أجلِ القضاء على دولتِها الوطنيّة ومُصادرةِ قرارِها وجَعْلِهِ مرهوناً للغرب، مُمثَّلاً بالولايات المُتّحدة الأميركيّة والكيان الصهيونيّ، وإنهاء علاقتها معَ فصائلالمُقاوَمة وقُواها والتخلّي عنها وإخراجها من سورية، حتّى وإنْ أُلْقِيَتْ في البحر أو سُلِّمَتْإلى المُحتلِّ الصهيونيّ، وهذا أساسُ الرسالة التحذيريّة التي أتى بها وزيرُ الخارجيّة الأميركيّة “كولن باول” إلى الرئيس “بشّار الأسد” في أيّار عام ٢٠٠٣م، وهي رسالةٌ تحملُ رغبةً كبيرةً في خلخلةِ الثوابت والمبادئ السُّوريّة بانتهازِ الفُرصةِ التاريخية التي جعلَتْ سُوريةَ بينَ “كمّاشة” قُوّات الاحتلال الأميركيّة في العراق وقُوّات الاحتلال الصهيونيّ في فلسطينَ المُحتلّة، ولا سيّما على الحدود السورية-الفلسطينية، كما أنّ تلكَ الرسالةَ كانَ يُرادُبها إعادةُ تشكيل المنطقة، ترغيباً أو ترهيباً، وإدخالُها في الفَلَكِ الأطلسيِّ لتعزيز أمْنِ الكيان الصهيونيِّ وتحقيقِمزيدٍ منْ شُروطِ حمايَتِه، وهو ما كانَ يعني تحقيقَ تفاهُماتٍ أميركيّة- فرنسيّة من أجل تغيير الوضع في لبنان، وإحداثِ خلخلةٍ وفتنةٍ بينَ أبناء الشعب اللبناني، تماماً كما يَحدُثُ اليومَ في حرب الكيان الصهيونيِّ على لبنان ٢٠٢٤م، وهو ما يعني إسقاطَ دُوَلِ المحور واحدةً تِلْوَ الأُخرى، تمهيداً لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير، لكنَّ الرَّفْضَ السُّوريَّ للمَطالبِ الأميركية والتَّمسُّكَ بالنَّهْج المُقاوِم أفشلَ ذلكَ المُخطَّطَ قبلَ أن يُعادَ الاشتغالُ عليه بطرائِقَ أُخرى، على رأسِها قتلُ رئيسِ الوُزَراء اللبنانيّ الأسبق رفيق الحريري، وما تَبِعَهُ من إخراجِالقُوّاتِ السُّوريّة من لبنان، رغبةً في إفساحِ المناخ أمامَ أعداءِ النَّهْج المُقاوِم، كما أنَّ نجاحَ حزبِ الله في إفشال المُحاوَلة الصهيونيّة لاستئصالِه في عام ٢٠٠٦م، بل إنَّ النَّصْرَ الكبيرَ الذي حقّقَهُ الحزبُ في تلك الحرب زادَ من رصيدِه اللبنانيِّ والعربيّ، وأدّى إلى مزيدٍ من التعاضُدِ والتلاحُم في الصّفِّ المُقاوِم وكسبِ مزيدٍ من التأييد له، وهو ما تَعزّزَ بالثَّباتِ والصمود الفلسطينيّ وتطوير أدواته في المُقاوَمة، وكانت ذروةُ ثبات المُقاوَمة اللُّبنانيّة والفلسطينيّة ما بينَ عامَـيْ 2006 و2008م، قبلَ أن يُحاوِلَ المُحتلُّ الصهيونيُّ ضَرْبَ قُوى المُقاوَمة وإنهاكَها بسَعْيِهِ الحثيثِ إلى تقويضِ أركان الدُّوَل الداعمةِ للمُقاوَمة وزعزعةِ استقرارها وضَرْبِ بناها المُجتمعيّة، وعلى رأسها سورية.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى