سورية 2012… الأسوأ مر… أم سيأتي؟ (منال لطفي)

منال لطفي

 

وسط مدن سويت بالأرض وشرد سكانها، سواء في نزوح داخلي أم لجوء إلى دول جوار في مخيمات إيواء أوضاعها صعبة. واحتدام قتال أهلي – طائفي لم يوفر شيئاً حتى الأثار التاريخية لسورية. واقتصاد يتهاوي. وجماعات مسلحة متطرفة تلقي بظلها القاتم على مستقبل سورية ما بعد النظام الحالي، وزيادة وتيرة التفجيرات الانتحارية. وانقسام دولي ما زال مشغولاً بالمبادرات التوفيقية أكثر مما هو مهموماً بجمع مساعدات إنسانية تكفي لسد حاجات المدنيين في الداخل السوري أو في دول الجوار، لا بد أن يكون السؤال الذي يشغل السوريين هو: هل مر الأسوأ عام 2012 أم سيأتي 2013؟

دمشق وحلب في قلب المعركة
واغتيال عناصر «الحلقة الأمنية»
شكل دخول المعارك بين القوات النظامية وقوات المعارضة دمشق وحلب أهم معالم التطورات الميدانية في سورية عام 2012. فإذا كانت حمص وحماة ودير الزور وإدلب أرض المواجهات خلال عام 2011، فإن أكبر مدنيتين في سورية: دمشق «العصب السياسي» وحلب «القلب الاقتصادي» باتتا الأرض التي تكسب أو تخسر عليها معركة سورية. ومع اتساع دائرة القتال واشتداد قوة حركات المعارضة، تعرض الجيش السوري النظامي عام 2012 لخسائر فادحة على رغم كثافة قوته النارية واحتكاره سلاح الجو. ولجأت المجموعات المقاتلة المعارضة إلى التعويض عن ضعف التسلح لديها عبر تكثيف هجماتها بالقذائف الصاروخية والهاون والأسلحة الرشاشة على جبهات عدة، ما مكنها من الاستيلاء على مناطق مهمة في الريف الدمشقي ومدينة حلب وريفها. كما بات المعارضون يسيطرون على جزء مهم من الطريق السريع الذي يربط دمشق بحلب. وتقدمت المعارضة في إدلب وريفها وعززت وجودها في معرة النعمان التي تعتبر منطقة استراتيجية في محافظة إدلب كونها ممراً لتعزيزات القوات النظامية إلى حلب التي تشهد معارك مصيرية. وباتت غالبية المناطق الحدودية مع تركيا في أيدي قوات المعارضة، سواء «الجيش الحر» أو الكتائب المنضوية تحته أو التنظمات الكردية.
شهدت دمشق وريفها تصعيداً لافتاً عام 2012 جعل العاصمة في قلب حركة الاحتجاجات. وكانت أبرز عملية شهدتها دمشق هي تفجير انتحاري بحزام ناسف استهدف مبني الأمن القومي في العاصمة يوم 18 تموز (يوليو) الماضي خلال اجتماع لكبار القيادات الأمنية السورية أدى إلى مقتل آصف شوكت صهر الرئيس السوري بشار الأسد، ووزير الدفاع داود عبدالله راجحة، ومعاون نائب رئيس الجمهورية حسن تركماني، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، وإصابة وزير الداخلية محمد إبراهيم الشعار الذي أصيب مجدداً مطلع كانون الأول (ديسمبر) الجاري بعد انفجار سيارة ملغومة وشحنتين ناسفتين أمام وزارة الداخلية في دمشق. كما شهدت أحياء العاصمة تصعيداً لافتاً في مستوي العنف، بخاصة في أحياء التضامن والمهاجرين والمزة والسيدة زينب. كما كان ريف دمشق أرض معارك دموية بين القوات النظامية ومقاتلي المعارضة، خصوصاً في زملكا وحرستا وداريا والزبداني ومعضمية الشام والغوطة الشرقية ومزارع رنكوس وبرزة والقابون.
أما حلب التي كانت من آخر المدن التي لحقت بالثورة السورية، فقد دخلت قلب الصراع بقوة في عام 2012. وشهد سجن حلب المركزي عصياناً في تموز أدى إلى إطلاق قوات الأمن النار على السجناء وقذفهم بالغازات المسيلة للدموع ما أوقع عشرات القتلى والجرحى. بعد ذلك زادت جرأة المعارضين السوريين ووضعوا حلب في قلب عملياتهم. ومنذ منتصف 2012 شهدت أحياء صلاح الدين والبستان والصاخور وسيف الدولة والمرجة والسكري ومساكن هنانو ومدينة حلب القديمة بما في ذلك الجامع الأموي اشتباكات ومواجهات عنيفة بين القوات النظامية وقوات المعارضة. كما امتدت المواجهات إلى ريف حلب. وخلال الأشهر القليلة الماضية سيطرت قوات المعارضة على الكثير من القواعد والمقار والكليات العسكرية في حلب. وسجل في تموز الماضي دخول الطائرات الحربية للمرة الأولى على خط المواجهات العنيفة، إذ استخدم الطيران السوري الميغ 21 لقصف مقاتلي المعارضة في حلب.
ولم توفر الحرب اللاجئين الفلسطينيين في سورية، إذ قام الطيران الحربي السوري بقصف مخيم اليرموك في كانون الأول على مدار أربعة أيام ما أدى إلى مقتل ثمانية على الأقل وإصابة العشرات وإجبار عشرات الآلاف من اللاجئين على الفرار خارج المخيم إلى مناطق أخري في دمشق أو إلى لبنان. وكان التوتر اشتد في المخيم نهاية تشرين الأول (أكتوبر) عندما نشبت مواجهات بين قوات مؤيدة للنظام السوري وقوات المعارضة التي أعلن بعض عناصرها السيطرة على «اليرموك» ما دفع الطيران السوري إلى شن هجمات جوية عليه. وعلى الأثر سعت القيادة الفلسطينية والجامعة العربية والأمم المتحدة إلى «تحييد» المخيم لحماية الآلاف من الفلسطينيين الذين علقوا في الصراع الداخلي. وإجمالاً ارتفعت حصيلة القتلى خلال 2012 إلى أكثر من 44 ألف شخص، وفق آخر إحصاء للمرصد السوري لحقوق الإنسان. الذي أفاد بأن بين هؤلاء 30 ألفاً و819 مدنياً. ويدرج المرصد بين المدنيين، أولئك الذين حملوا السلاح إلى جانب الجنود المنشقين عن الجيش السوري. كما قتل 1482 جندياً منشقاً و10978 عنصراً من القوات النظامية. ويضاف إلى هؤلاء 784 قتيلاً مجهول الهوية. ولا تشمل هذه الأرقام آلاف المفقودين والمعتقلين.

صعوبة التمييز بين «الجهاديين»
و «الإسلاميين المعتدلين»
شهد عام 2012 تزايداً في نفوذ الإسلاميين في سورية. وواضح أن عدداً من المقاتلين ينتمي إلى حركات الجهاد العالمي، بينهم المئات أتوا من خارج سورية، بأفكار أثارت قلق الناشطين المدنيين في سورية من بينها تصريحات حول «إقامة دولة إسلامية» بعد سقوط نظام الأسد. وكان التجلي الأبرز لهذه الحركات «جبهة النصرة» الإسلامية التي أعلنت مسؤوليتها عن تفجيرات كبرى ودموية في دمشق وحلب ودرعا وحماة وحمص. ونظم مقاتلوها مكامن واغتيالات وتفجيرات وهجمات على قوات الأمن السورية وعناصر «الشبيحة». ويقدر عدد أعضاء جبهة النصرة بالآلاف وهم يتمتعون بقوة خاصة في منطقتي حلب وإدلب الشماليتين حيث انضموا إلى جماعات إسلامية مثل أحرار الشام ولواء التوحيد أو نفذوا عمليات مشتركة معها. وفي دمشق وحولها يقل عدد أعضاء الجبهة ولكنهم يحتفظون بقوتهم هناك وفي بعض الأماكن يبعدون مسافة 20 كيلومتراً فقط عن جبهة الجولان التي تحتلها إسرائيل.
وكانت هذه الجماعة في بداية الأحداث مجموعة غير معروفة تكتفي بتبني عمليات هنا وهناك في بيانات على شبكة الإنترنت. أما بالنسبة إلى أشرطة الفيديو التي تعتبر الوسيلة المفضلة لدى الجهاديين للترويج لعملياتهم منذ سنوات، فقد باتت ظاهرة معممة لدى المقاتلين في سورية عام 2012. فلكل لواء وكتيبة ومجموعة مصور أو أكثر مكلف نشر أنشطتها وإنجازاتها في ساحة المعركة على موقع يوتيوب على شبكة الإنترنت أو على صفحة خاصة بها على «فايسبوك». ويمكن إحصاء، إلى جانب جبهة النصرة، حوالى عشر مجموعات تقاتل إلى جانب الجيش السوري الحر، ويوحي خطابها وأداؤها بأنها سلفية أو إسلامية متشددة، وبينها «صقور الشام» و «لواء الإسلام» و «أحرار الشام» و «كتيبة الأنصار» و «لواء درع الإسلام». وأعلنت هذه المجموعات وغيرها من منطقة حلب في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) رفضها الائتلاف الوطني السوري المعارض الذي أنشئ في قطر وجمع غالبية أطياف المعارضة تحت مظلته، داعية إلى إنشاء «دولة إسلامية» في سورية. ويثير تعدد الألوية والكتائب المقاتلة وتعاون المجموعات السلفية مع وحدات مقاتلة مدنية منفتحة على الأرض ومع المجالس العسكرية التابعة للجيش السوري الحر، الارتباك ويعقد مسألة تحديد انتماء هؤلاء المقاتلين.
ومع تزايد مؤشرات عداء «جبهة النصرة» وغيرها من الكتائب لفكرة مدنية الدولة ونشوب مواجهات بينها وبين الأكراد في شمال شرقي سورية واستهدافها أحياء مسيحية وعلوية، أعلنت الولايات المتحدة «النصرة» منظمة إرهابية نهاية 2012.

اقتصاد سورية ينكمش 20 في المئة… واقتصادات بديلة تنبثق
كما عانى السوريون في شكل حاد بسبب احتدام الصراع واتخاذه منحًى طائفياً، عانوا أيضاً بسبب الوضع الاقتصادي الذي تدهور في شكل لافت خلال عام 2012. إذ أصبح مألوفاً بدرجة مؤلمة رؤية طوابير الخبز والبنزين تمتد بالأمتار، وسط نقص حاد في كل المواد الغذائية الأساسية والأدوية. وانهيار كامل في البنية التحتية، وتأثر مئات المستشفيات التي لم تعد تسطيع القيام بدورها، وانقطاع متواصل في الكهرباء. ويقول معهد التمويل الدولي إن اقتصاد سورية المتضرر من الحرب انكمش بمقدار 20 في المئة في 2012 ويمكن أن يتم إنفاق احتياطيات النقد الأجنبي بأكملها في نهاية عام 2013. كما أشار المعهد إلى أن معدل التضخم ارتفع إلى 40 في المئة وهبط سعر الصرف الرسمي لليرة السورية أمام الدولار 51 في المئة وذلك منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في آذار (مارس)2011. ووفقاً لمصرفيين فقد أنفقت الحكومة السورية مليارات الدولارات من احتياطيات النقد الأجنبي على الأجور ودعم الوقود والليرة. كما تأثر الاقتصاد أيضاً بالإجراءات الدولية الرامية للضغط على النظام السوري. إذ فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حزم عقوبات على دمشق عام 2012 تشمل وزارتي الدفاع والداخلية وعقوبات على الرئيس السوري ومسؤولين في الأجهزة الأمنية وحاكم مصرف سورية المركزي. وتوسيع الحظر ليشمل بيع الأسلحة وشركة الطيران السورية. كما فرضت عقوبات على أكبر مصرف تجاري تشرف عليه الدولة وعلى أول شركة مشغلة للهاتف النقال في سورية «سيرياتل». وحظر استيراد المشتقات النفطية وتجميد أرصدة الدولة. وإدراج الإذاعة والتلفزيون الرسميين على اللائحة السوداء. وفي المجموع تستهدف العقوبات 181 شخصية قريبة من النظام السوري و54 شركة أو إدارة. أما تركيا فأوقفت الصفقات التجارية مع دمشق ومنعت تحليق الرحلات الجوية لشركة الطيران السورية، وهو إجراء ردت عليه دمشق بالمثل. فيما قامت الجامعة العربية بتعليق مشاركة سورية في أعمال الجامعة العربية وجمدت الصفقات التجارية مع الحكومة السورية. وإذا استمرت الأزمة السورية من دون حل يلوح في الأفق، وتواصلت العقوبات الدولية على النظام، فإن النتيجة التي لا فرار منها أن ملايين السوريين سيعانون في شكل أفدح خلال الأشهر المقبلة. كما أثرت الحرب في سورية في الدول المجاورة لها حيث فر مئات الآلاف من اللاجئين إلى تركيا ولبنان والأردن والعراق وأغلقت طرق التجارة. وتحول الاقتصاد السوري مع استمرار النزاع إلى «اقتصاد حرب» تتداخل أشكال اقتصادية رسمية وغير رسمية، قانونية وغير قانونية نشأت من أموال الخطف والسلب. كما أن عمليات الخطف لقاء فديات منتشرة في كل المناطق تقريباً.

استقالة أنان من «مهمة مستحيلة
… وتولي الإبراهيمي
على الصعيد الديبلوماسي مثّل عام 2012 تجسيداً جديداً للانقسام الدولي في ما يتعلق بسورية. واستمر تباين وجهات النظر بين أميركا والاتحاد الأوروبي وغالبية الدول العربية من جهة، وإيران والصين وروسيا من جهة ثانية. وتعطل صدور أي قرار له قدرة على الضغط على الأسد من قبل مجلس الأمن الدولي بسبب حق النقض الروسي – الصيني. ومع أن العام بدأ إيجابياً بإعلان الأمم المتحدة تعيين الأمين العام للأمم المتحدة والديبلوماسي البارز كوفي أنان مبعوثاً خاصاً مشتركاً للأزمة السورية، إلا انه بعد حوالى خمسة أشهر فقط في المنصب، قرر أنان مطلع آب (أغسطس) الماضي عدم البقاء في المنصب بعد انقضاء سريان تفويضه.
وضع أنان خطة للتسوية في سورية من 6 بنود حظيت بتأييد مجلس الأمن الدولي. ونصت الخطة ضمن ما نصت على وقف أطراف النزاع أعمال العنف المسلحة في كل أشكالها تحت مراقبة الأمم المتحدة، لحماية المواطنين. وتأمين منافذ لإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق المتضررة والامتثال إلى هدنة إنسانية لمدة ساعتين يومياً. وإطلاق السلطات السورية سراح جميع المعتقلين الذين شاركوا في الحملات الاحتجاجية. وتأمين حركة حرة للصحافيين في أنحاء البلد كافة. واحترام حرية التجمعات والحق في إجراء التظاهرات السلمية. ووضع حلول سياسية داخلية تأخذ في الاعتبار تطلعات الشعب السوري ومخاوفه. وتمكّن أنان في اجتماع في جنيف عقد في 30 حزيران (يونيو) 2012 في التوصل إلى أرضية اتفقت عليهاالأطراف المعنية بالصراع السوري كافة تقضي بالعمل على تهيئة الظروف لمرحلة انتقالية.
ولكن، سرعان ما اختلفت التأويلات في شأن هذا الاتفاق. إذ رأت موسكو أن إعلان جنيف لا يتحدث عن تنحي الأسد في إطار العملية الانتقالية، وأن الإعلان ترك ذلك للشعب السوري. بينما رأت الدول الغربية أن «المرحلة الانتقالية» تعني حتماً تنحي الأسد. وعزز إحباط أنان أن مراقبي الأمم المتحدة الـ300 الذين وصلوا إلى سورية منتصف نيسان (أبريل) الماضي لمراقبة وقف إطلاق النار، لم يجدوا أي تعاون مع مهمتهم من قبل النظام أو قوات المعارضة، ما اضطرهم إلى تعليق عمل بعثتهم منتصف حزيران بسبب ارتفاع وتيرة أعمال العنف، قبل الخروج نهائياً من سورية.
وصلت الجهود الدولية إلى طريق مسدود مع تعثر تنفيذ كل نقاط خطة أنان. وتقديم الدول الغربية مشروع قرار أمام مجلس الأمن يعزز العقوبات على دمشق ويجبرها على تنفيذ خطة أنان وإلا واجهت خطوات تصعيدية، وذلك مقابل الموافقة على تمديد فترة عمل بعثة المراقبين. فيما تقدمت روسيا بمشروع قرار منافس يمدد مهمة بعثة المراقبين ثلاثة أشهر لكن، بلا إشارة إلى عقوبات أو خطوات تصعيدية للضغط على دمشق. وقال أنان في مبررات استقالته إنه لم يحصل على الدعم المطلوب من المجتمع الدولي، مشيراً أيضاً إلى أن عدم وجود توافق بين أعضاء مجلس الأمن الدولي حال دون إحراز خطته تقدماً ملموساً على الأرض. كما تحدث أنان عن «أن تصاعد العسكرة على الأرض وانعدام الإجماع في مجلس الأمن الدولي غيرا دوري في شكل جذري». عقب ذلك تعيين وزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي ممثلاً خاصاً مشتركاً للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سورية. ولم يختلف نهج الإبراهيمي كثيراً عن نهج أنان. وفي أيلول (سبتمبر) أعلن الإبراهيمي أفكاراً للحل في سورية، موضحاً أنها بينما لا تشكل «خطة متكاملة» للحل، إلا أنها يمكن البناء عليها لاحقا إذا سارت قدماً. وتلتقي أفكار الإبراهيمي مع إعلان جنيف الحل في سورية الذي يقوم على وقف استخدام القوة وبدء الحوار بين الأطراف السورية تمهيداً لبدء المرحلة الانتقالية.

المعارضة تفتح
صفحة جديدة مع «الائتلاف»
إذا كانت الجهود الدولية خلال عام 2012 عانت اختلافات في وجهات النظر وتباينات، فإن المعارضة السورية لم تكن أحسن حالاً. فبعد أشهر طويلة من مطالبات دولية بتوحد المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً، تمكن المعارضون السوريون من تشكيل «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» في الدوحة في تشرين الثاني الماضي. وضم الائتلاف الجديد أكبر تنظيمات المعارضة «المجلس الوطني السوري»، وممثلين عن قوى الحراك الداخلي وتنسيقيات الثورة. وبعد إقرار ميثاق داخلي، سيكون إعلان حكومة انتقالية على رأس أولويات الائتلاف الجديد، إضافة إلى مساعدة ملايين السوريين الذين يحتاجون إلى دعم إنساني عاجل. وفيما اعترفت دول عدة بالائتلاف الجديد ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري ومن ضمن ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا ودول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، وتعيين سفراء له في عواصم عدة، إلا أن الحذر الدولي ما زال ملحوظاً في ما يتعلق بتسليح هؤلاء المعارضين. في موازاة ذلك، اعتبرت سورية أن الاعتراف بـ «الائتلاف الوطني» لن يغير الوضع على الأرض، موضحة «أن الدول الأجنبية اعترفت ببنية مصطنعة وبهيكل سيساعد على تحقيق أهداف الولايات المتحدة والدول الأوروبية في سورية».

انشقاقات من قلب النظام
تواصلت الانشقاقات عن النظام السوري عام 2012 وكان أبرزها انشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب في 8 آب الماضي. وهو الانشقاق الذي قالت دمشق إنه إقالة بعد أن كلف حجاب في السادس من يونيو الماضي تشكيل الوزارة. وسبق حجاب انشقاق رئيس فرع المعلومات بالأمن السياسي في دمشق العقيد يعرب محمد الشرع، وهو ابن عم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، مع شقيقه الملازم أول كنان محمد الشرع من الفرع نفسه ولجوؤهما إلى الأردن. كما انشق العقيد ياسر الحاج علي من الفرع نفسه وانتقل أيضاً إلى الأردن. ولجأ اللواء محمد أحمد فارس الطيار في سلاح الجو الذي أصبح أول رائد فضاء سوري، إلى تركيا بعد إعلان انشقاقه. وتمت كل هذه الانشقاقات في آب الماضي. كما انشق العميد مناف طلاس وهو نجل وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس، في تموز الماضي. وفي تموز أيضاً انشق السفير السوري في بغداد نواف الشيخ فارس. وقد لجأ إلى قطر ودعا الجيش إلى «الانضمام فوراً إلى صفوف الثورة». وانشق السفير السوري لدى الإمارات عبداللطيف الدباغ، وزوجته القائمة بأعمال السفارة السورية في قبرص لمياء الحريري والملحق الأمني في السفارة السورية لدى سلطنة عمان محمد تحسين الفقير. كما استقال القائم بالأعمال السوري في لندن خالد الأيوبي، وتبعه قنصل سورية لدى أرمينيا محمد حسام حافظ. كما انشق 31 من كبار الضباط السوريين ولجأوا إلي تركيا. لكن بعض هؤلاء الضباط عادوا إلى سورية للانضمام إلى المقاتلين الناشطين على الأرض. وفي كانون الأول الجاري ترددت تقارير حول انشقاق الناطق باسم الخارجية السورية جهاد مقدسي، إلا أن مصادر سورية نفت ذلك، وأشارت إلى أنه «في إجازة»، بينما أفادت مصادر مطلعة بخلافات في الخارجية السورية أدت إلى مغادرته.

وضع إنساني لا يحتمل
مع كل اتساع نطاق الحرب في سورية واتخاذها بعداً طائفياً واضحاً وخروج المراقبين الدوليين من ذلك البلد واضطرار المئات من العاملين في المجالات الإنسانية إلى المغادرة بسبب تردي الوضع الأمني، عانى المواطن السوري العادي أكثر فأكثر. ووفقاً لإحصاءات منظمات إنسانية عدة فإن أكثر من 2.5 مليون سوري في حاجة عاجلة إلى مساعدات غذائية وطبية. وتشير المنظمات الدولية وضمنها الصليب الأحمر إلى أن البنية التحتية في سورية تضررت أو دمرت ما صعّب «مهمة إيحاد السكان الأشياء التي قد تساعدهم في الاستمرار بالحياة». وأوضح الصليب الأحمر في تقرير أخير أن «الناس لا يستطيعون قبل أي شيء الحصول على مساعدة طبية بسبب الوضع الخطر والمتغير دائماً وكذلك بسبب قلة المنتجات الطبية». ومع أنه منذ بداية عام 2012 حصل أكثر من مليون شخص على وجبات غذائية و250 ألف شخص على معدات لتجهيز الطعام، إلا أن هناك حوالى مليون ونصف المليون شخص آخر يحتاجون إلى مساعدات عاجلة بسبب برودة الجو ونقص غاز الوقود والتدفئة.
وأطلقت الأمم المتحدة في كانون الأول الجاري نداء لتوفير 1.5 مليار دولار من أجل مساعدة ملايين السوريين المتضررين من النزاع. فيما يشتكي برنامج الأغذية العالمي من أنه يلقى مزيداً من الصعوبات في مساعدة السوريين بسبب «تصعيد العنف»، محذراً من أن ملايين السوريين يواجهون مستقبلاً صعباً ليس فقط بسبب تمدد الحرب على غالبية الأراضي السورية، بل أيضاً بسبب الصعوبات المتزايدة في الوصول إلى كل من يحتاجون المساعدة. ومع إغلاق 2012 صفحته والمشهد السوري مظلم وكئيب ومثير لقلق عارم، ليس أمام السوريين إلا أن يتمنوا أن يكون الأسوأ قد مر.

صحيفة الحياة اللندنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى