سيرة بغداد كما يكتبها نجم والي

في كتاب «بغداد – سيرة مدينة» (دار الساقي) للروائي والصحافي العراقي نجم والي، تتداخل سيرة الذات بسيرة المكان، لترتسم في النهاية صورة بغداد، المدينة المدهشة بانقلاباتها وتحولاتها. مدينة تصدرت صورها ألبوم الصور المخزون في ذاكرته. كلّ الأشياء كانت صورها تروح وتجيء في الذاكرة، إلاّ بغداد. وحدها تبقى صورة راسخة في الذهن. يفتتح والي كتابه بفصل عنوانه «نجم الآخر»، مرفقاً بصورة له وهو طفل في «استوديو مزعل» البغدادي، ويختتمه بفصل «اختراع المدينة من جديد»، وبصورة في آخر زيارة له إلى بغداد، عام 1980.

يحتوي الكتاب على حقائق تاريخية وصور ووثائق معاصرة عن بغداد، إضافة إلى نصوص أدباء غربيين زاروا بغداد وتركوا وراءهم انطباعاتهم. وفيه يرسم الكاتب صورة غنية الملامح لبغداد منذ تأسيسها في عام 762، مروراً بحكم الخليفة الأسطوري هارون الرشيد، حتى خرابها على أيدي المغول. ويستعين والي أيضاً بذاكرته ليروي قصصاً عن بغداد الحاضر، وعن حبّه الأول فيها، ودخوله الحياة الأدبية، مروراً بسجنه في أقبية مديرية الاستخبارات العسكرية، وحتى هروبه إلى المنفى بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية.

يصوّر نجم والي في كتابه، مدينته بغداد كمكان للفانتازيا والقصص المدهشة والإسقاطات الرومنطيقية من جهة، واختراع دائم عابر للأزمان والأحداث كلها من جهة أخرى. ويُعلّق بأنّ هذه الثنائية هي بمثابة صورة يرسمها كل من يرى بغداد أو يزورها. وتكمن أهمية كتاب والي في اعتباره وثيقة توضع فيها النظرة الغربية لصورة بغداد بمواجهة النظرة الشرقية، لئلا نقول إنه درس في علم النظرة يلائم بين الطوبوغرافية والذاكرة الذاتية.

يحتوي الكتاب على فصول عدة، منها: «نجم الآخر»، «باتجاه بغداد في سيارة شيفروليه»، «المدينة الغريبة في المكان الغريب»، «البطاقات البريدية أو المعايدات»، «العسكر البريطانيون وكشافة بغداد»، «المدينة بعيون شهرزاد ألف ليلة وليلة واختراع مدينة عن طريق القص»، «غريب في المدينة الغريبة وطالب الجامعة أنا»، «مقاه دخلت التاريخ»، «جون دوس باسوس المهم هو الطريق إلى بغداد»، «بغداد والشعراء والصور»، «من أبي نؤاس وابن زريق البغدادي حتى سعدي يوسف»، «تحولات المدينة، في الحزن والحاجة الى النوم»، «وقت للحياة ووقت للموت»، «أريش ريمارك والخريف الألماني الساخن في بغداد».

يحتوي «بغداد – سيرة مدينة» (383 صفحة)، على صور للمدينة وأهلها، للكاتب وأصدقائه في الجامعة وفي سفرات سياحية، ولمقاهي بغداد وروّادها في العشرينات والأربعينات، ومنها مقاهٍ كانت مشهورة قبل أن تتحول إلى دمار بفعل التفجيرات المتكررة، مثل مقهى الشابندر.

نجم والي هو قاصّ وروائي عراقي، درس اللغة الألمانية في جامعة بغداد، وهو يُقيم في ألمانيا منذ سنوات. حازت روايته «بغداد مالبورو» جائزة برونو كرايسكي العالمية للكتاب لعام 2014، وسبق أن صدرت له عن دار الساقي رواية «تل اللحم».

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى