كتب

‘سيير’ كارين فوسم يحقق في جريمتي قتل في الظلام

تواصل المترجمة هند عادل ترجمتها لسلسلة روايات الكاتبة والشاعرة النرويجية الشهيرة كارين فوسم التي تعد الأشهر على مستوى العالم بأدب الجريمة،والتي تُرجمت روايات سلسلتها “المحقق كونراد سيير” إلى أكثر من 25 لغة ونالت العديد من الجوائز منها جائزة “ريفرتون” الأدبية لأفضل رواية جريمة نرويجية في العام نفسه، وجائزة “المفتاح الزجاجي” عام 1997 كأفضل رواية جريمة، وتحولت إلى فيلم سينمائي.

ولدت فوسم عام 1954 في ساندفيورد، بدأت مشوارها الأدبي كشاعرة حيث كتبت أولى قصائدها عام 1974، والتي فازت بجائزة “تارياي وسوس” الأدبية في العام نفسه. ثم اتجهت في منتصف التسعينيات لكتابة الرواية. واشتهرت بكتابات الجرائم حيث عرفت بأنها “ملكة روايات الجريمة النرويجية”، بسبب نجاح سلسلة الجريمة “المحقق كونراد سيير” التي تُرجمت إلى أكثر من 25 لغة ونالت العديد من الجوائز. وقد فازت ثاني رواياتها “لا تنظر إلى الوراء” التي تم نشرها عام 1996 بجائزة “ريفرتون” الأدبية لأفضل رواية جريمة نرويجية في العام نفسه، وجائزة “المفتاح الزجاجي” عام 1997 كأفضل رواية جريمة. وتحولت إلى فيلم سينمائي.

عملت فوسم في مقتبل حياتها بالعديد من المهن منها ممرضة في العديد من المستشفيات من بينها مركز إعادة تأهيل مدمني المخدرات، سائق تاكسي، وهي مشهورة بتعاطفها مع الجناة وكذلك ضحايا الجريمة.كتبها مثيرة للتفكير وتستكشف غالبًا موضوعًا معينًا، مثال ذلك الدعارة كخيار مهني. تقول “معظم الناس يقتلون وهم في حالة يأس، إنهم أناس عاديون جدا لكنهم محبطون ويائسون. لقد وجدت مكاني في العالم الواقعي، وأعتقد أنه من الجيد الكتابة عن شيء تعرفه”.

تميل فوسم في بناء رواياتها إلى المجتمعات الريفية الصغيرة بدلاً من المدن الكبرى، لذا فالجرائم غير معقدة نسبيًا، كون المتورطون فيها أناسا عاديين تم دفعهم إلى الحافة، ولكن غالبًا ما تكون هناك عواقب غير متوقعة وتطور مفاجئ في نهايات رواياتها.

يلعب المحققون في روايات فوسم دورًا فرعيًا، مع القليل من التركيز على أفكارهم الخاصة، وحتى المحقق سيير لا يقصد منه أن يكون شخصية محورية رئيسية ولكنه “موجود في الرواية لأنه لديه وظيفة يقوم بها”.

المحقق سيير فهو رجل من الطراز القديم. يقضي وقته مع ابنته وابنها التي تبنته من الصومال، لكن لا شيء يشغل عقله عن القضية التي يعمل عليها.  يحمل “سيير” قضاياه على محمل الجد، ولا يتهاون أبدًا في التحقيق فيها لمعرفة الحقيقة. وسلاحه الوحيد في سعيه للبحث عن الحقيقة ليس مسدسه ولكن إيمانه القوي بالعدالة، والتعاطف العميق، ورغبته في معرفة كيف يفكر العقل الإجرامي. وهو ككلب الصيد، ما إن يلتقط رائحة المتشبه به حتى ينطلق في أثره ولا يتركه إلا بعد أن يعرف سره.

ترجمت عادل من السلسلة روايتي “جريمة على حافة البحيرة”، و”جريمة العروس الهندية”، وأخيرا رواية “جريمة في الظلام”، وجميعها صدرت عن دار العربي للنشر، وهذه الأخيرة يحقق فيها كونراد في جريمتي قتل، الأولى تم اكتشفها في ظهرأحد الأيام، لرجل مختف منذ ستة أشهر والثانية لعاهرة قتلت في شقتها.

تفتتح فوسم رواية “جريمة في الظلام” بشكل ينذر بالسوء. تمشي إيفا وابنتها إيما البالغة من العمر سبع سنوات في حديقة تقع على طول بحيرة في بلدة نرويجية صغيرة، عندما لاحظت الفتاة جسدًا يطفو في الماء تلفت نظر أمها. لكن إيفا، وهي فنانة وأم عزباء، من الوهلة الأولى لرؤية الجثة تصاب بالتشتت الذهني، وما أن تتوجه إلى أقرب هاتف عمومي، ويفترض بها أن تتصل بالشرطة. بدلاً من ذلك، تقوم بمكالمة عادية إلى حد ما مع والدها، وبعد ذلك، وبشكل غريب بما فيه الكفاية، تذهب وابنتها إلى ماكدونالدز وكأن شيئًا لم يحدث. يشكل سبب سلوكها جوهر لغز معقد، حيث نتعرف على طبيعة ارتباطها بالجثة التي رأتها طافية في البحيرة.

بعد أن يبلغ شخص آخر عن الجثة، يتم استدعاء المفتش سيير إلى مكان الحادث. وسرعان ما أدرك أنها كانت جريمة قتل، وجريمة قتل عنيفة بشكل مفرط. هذا وقت مزدحم لفريق التحقيق الخاص به، حيث أنهم يحققون أيضًا في مقتل عاهرة معروفة – ماجا ديربان. عندما تم التعرف على القتيل على أنه إجيل أينارسون، الذي تم الإبلاغ عن فقده بعد وقت قصير من وفاة العاهرة، يشتبه سيجر في وجود صلة بين جريمتي القتل. خلال تحقيقه مع ابن الرجل القتيل وهو فتى مراهق، يصبح المحقق سيير صديقًا له وتشكل تفاعلاتهما اللحظات القليلة في الكتاب التي تكشف عن طبيعة سييرالرحيمة التي تغذي عمله الشرطي.

هناك أمر مريب يحيط بالموضوع بأكلمه، الطعنات التي تلقاها الرجل في ظهره، سيارته البيضاء التي اختفت دون أدنى أثر، تلك المرأة التي وجدت الجثة لكنها لم تبلغ الشرطة عنها كما ادعت أنها فعلت. كل خطوط القضية لا تؤدي إلى شيء، لكن “سيير” رجل صبور وذكي، ويرى أن هناك حلقة واحدة مفقودة هي التي تربط بين كل تلك الخيوط، عليه فقط أن يصل إليها ويجعلها تتحدث.

يعود إلى إيفا، يأمر باستحضارها والتحقيق معها، فقد كانت من آخر الأشخاص الذين رأوا ماجا المقتولة على قيد الحياة وكانت أيضا الشخص الذي اكتشف جثة إجيل.

مقتطف من الرواية

كان المركز مبنى من الخرسانة الرمادية، ومكوَّن من سبعة طوابق، مع استدارة خفيفة في تصميمه. وفي الواجهة المطلة على الشارع الرئيسي هناك ساتر من الأشجار لتصد الرياح الباردة القادمة مع الثلوج التي تهب من جهة من النهر. أما الكبائن المبنية سالفًا في الخلف فهي محمية من برودة الشتاء، لكنها تختنق في حرارة الصيف. الواجهة التي تعلو المدخل يزينها تمثال حديث لسيدة العدالة لدى الإغريق”ثيميس”، وهي تمسك ميزانها. لكنها بدت عن بعد، من مخزن “ستاتويل” مثلًا، أكثر شبهًا بساحرة شريرة تركب مكنسة. يحتل قسم الشرطة والسجن آخر ثلاثة طوابق من المبنى، وكذلك المباني الخارجية الملحقة به.

 فتح شخصٌ ما الباب بزمجرةٍ عصبية، فوضعت سيدة “برينيجن” إصبعها على الجملة التي توقفت عند قراءتها. إنه المحقق “سيير” برفقة امرأة بدت وكأنها عانت الأهوال. كانت ذقنها مجروحة، ومعطفها وتنورتها مهترئين، وفمها ينزف. في العادة لا تطيل سيدة “برينيجن” النظر إلى أي شيء. لقد عملت موظفة استقبال هنا لسبع عشرة سنة، رأت فيها الكثير، لكنها اندهشت هذه المرة لدرجة أنها أغلقت الكتاب بقوة. أمسك “سيير” بذراع المرأة وقادها إلى المصعد. سارت معه وهي تحني رأسها، ثم أغلق باب المصعد.

 كان وجه “سيير” جامدًا، من المستحيل قراءة أفكاره. جعله هذا يبدو قاسيًا، لكنه في الحقيقة متحفظًا فقط. خلف ملامحه الجامدة تقبع روحه العطوفة. ليس معتادًا الابتسام بود إلا إذا احتاج إلى التقرب من الناس، وقلة من الأشخاص من سمعوا منه مديحًا. أغلق باب مكتبه وأومأ باتجاه الكرسي الوحيد في الغرفة. ثم أخذ بعض المناديل المعلقة فوق الحوض وبللها بالماء الساخن وأعطاها المرأة. مسحت فمها ونظرت حولها. كانت الغرفة شبه فارغة. على الجدرانرسوم طفل، وتمثال صغير من الصلصال على المكتب. هذا هو الدليل الوحيد على أنه يملك حياة خاصة خارج هذا المحيط القاسي. من المفترض أن يصوِّر التمثال ضابط شرطة، لكنه متداعٍ وبطنه متدلية وحذاؤه كبير. إنه لا يشبه أبدًا صاحبه المحقق الذي يجلس الآن وينظر إليها بعينين رماديتين جادتين. يوجد جهاز تسجيل، وكمبيوتر من نوع “كومباك” على المكتب. نظرت المرأة إليهما بقلق وأخفت وجهها خلف المناديل. تركها تهدأ وأخذ شريط تسجيل من الدرج وكتب عليه “إيفا ماري ماجنوس”. سألها بلطف:

 هل تخافين من الكلاب؟

 رفعت وجهها وقالت:

 في الماضي ربما، لكن ليس الآن.

 كوَّرت المناديل وواصلت:

 – كنت أخاف من كل شيء. أما الآن فلم يعد هناك ما يخيفني على الإطلاق.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى