شهادات «قناة السويس» تتخطى التوقعات: 8 مليارات دولار خلال أسبوع

في وقت قياسي غير متوقع، حصدت شهادات استثمار «قناة السويس الجديد» التي طرحتها الدولة في مصارف القطاع العام 60 مليار جنيه (حولي ثمانية مليارات دولار).

الشهادت التي بدأ طرحها في الرابع من أيلول الحالي، حققت بالفعل أمس، الهدف الذي وضعته الدولة، في ثمانية أيام فقط، موفرة بذلك التمويل اللازم لعمليات الحفر والتوسيع لمشروع القناة، من دون الحاجة إلى الاقتراض من الخارج.

الشهادات التي تحمل طابعاً اقتصادياً واضحاً، جرى تقديمها من قبل الدولة في قالب سياسي، فاعتبرت استفتاءً شعبياً على سياسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومشاريعه القومية. وجاء اكتمال هدف الشهادات مع إكمال السيسي مئة يوم في منصبه كرئيس للجمهورية، ما اعتبر تجديداً للثقة في الرئيس.

الشهادات التي جددت الثقة في الرئيس، حملت لمشتريها أيضاً فائدة هي الأعلى في مصر، إذ يبلغ معدل الفائدة في شهادات الاستثمار تلك 12 في المئة سنوياً، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه معدل الفائدة في المصارف المصرية 10.5 في المئة، ما يعني أن الإقبال على الشهادات تضمن مكسباً مضموناً للمشترين.

الشهادات التي أمنت تمويلاً وطنياً ووفيراً لمشروع «قناة السويس»، لم تخل من الآثار الجانبية. فقد أدى الإقبال على شرائها إلى انخفاض ملحوظ في مؤشر البورصة نتيجة انصراف الأموال عن مغامرات البورصة للفائدة المضمونة. كما أدت إلى هروب الودائع من المصارف الأجنبية والخاصة التي لم تطرح فيها الشهادات، ما أدى إلى طرحها في أوعية ادخارية منافسة للشهادات من دون جدوى.

ولكن التأثير الأهم، هو ما ورد على لسان وزير المالية المصري في مؤتمر «يورو ميني» الذي عقد أمس في القاهرة، إذ قال إن الدولة ستضطر إلى توفير 12 مليار جنيه سنوياً (1.7 مليار دولار تقريباً) لتتمكن من سداد قيمة الشهادات بعد انقضاء السنوات الخمس، اي فترة الشهادات، وسيتم توفير بين ثلاثة وأربعة مليارات جنيه من عائد «قناة السويس»، والباقي من موازنة الدولة، ما سيرفع عجز الموازنة من 10 إلى 11 في المئة ابتداءً من العام المالي الحالي.
وبالرغم من كل تلك الملاحظات والآثار الجانبية، اعتبر نجاح شهادات «قناة السويس» في جمع الأموال المطلوبة في وقت قياسي انتصاراً سياسياً واقتصادياً للسيسي، وتأكيداً على قدرته في المضي قدماً في برنامجه السياسي.

هذا ما يؤكده الخبير الاقتصادي رئيس مجلس إدارة «مؤسسة الأهرام» أحمد النجار في حديثه إلى «السفير»، قائلاً إن «تجاوز 60 مليار جنيه في ثمانية أيام أمر يؤكد أن لدينا شعبا يمكن الاعتماد عليه. هذا بحق نموذج لقدرة الشعب على تمويل مشروعات قومية ضخمة مملوكة للدولة وليس للقطاع الخاص. نعم كانت هناك فائدة عالية ومضمونة تغري بشراء الشهادات، ولكن حتى هذه الفائدة لم تكن قادرة على إقناع الناس بتحويل مدخراتها لشهادات القناة من دون الثقة في الدولة، وعلى الأخص الثقة في رئيس الجمهورية».

ويضيف النجار أن «البعض تصور أن البورصة ستعاني بشدة نتيجة سحب أموال كبيرة منها. ولكن ما حدث لم يكن بهذه الضخامة، حيث أن سحب الأموال من البورصة ليس سهلاً، والتأثير الذي شهدته البورصة مؤقت وبسيط، وجزء كبير من الأموال التي ذهبت لشراء الشهادات جاء من دفاتر توفير البريد ومدخرات المصريين الشخصية والمدخرات المصرفية وأي سيولة نقدية».

وأشار إلى أن «الأهم هو التأثير على الدولار، فقد أدى توجه المصريين إلى بيع الدولار وشراء الشهادات لدعم الجنيه أمام الدولار. كما توجهت المصارف الأجنبية إلى طرح أوعية ادخارية جديدة بفوائد مرتفعة لمواجهة المنافسة الشديدة للشهادات. وهو ما سيعود بالنفع على الطبقة الوسطى. وللمرة الأولى تكون الفائدة المصرفية بالموجب وليس بالسالب. حيث أن الفائدة كانت في السابق أقل من معدل التضخم ما يعني أن القيمة الحقيقية للنقود تنخفض، بينما الفائدة الجديدة تزيد على معدلات التضخم. والسؤال هو لماذا لم تطرح تلك الفوائد من قبل».

ويؤكد النجار أن حصيلة الشهادات تكفي لتمويل مشروح القناة بالكامل من دون حاجة إلى تمويل إضافي. وستبقى هناك أهمية لتوفير التمويل والاستثمارات اللازمة لمشاريع تطوير منطقة قناة السويس.

وهنا يضيف أنه «يأتي دور المؤسسات العامة والدولة والرأسمال الوطني والعربي. نحن في الأهرام مثلاً سنبادر إلى شراء أرض في المنطقة لبناء مشروع سياحي ومطابع. ويجب أن تتجه المؤسسات العامة للاستثمار في المنطقة. كما أن الدولة يجب أن تقوم بدورها في المشاريع المنجمية والمحجرية في المنطقة لحماية الثروة الوطنية».

الاقتصاد والسياسة يلتقيان في منطقة «قناة السويس»، وتتصاعد الرهانات، ومعها الطموحات والآمال. ولكن الريبة لا تختفي أبداً، خصوصاً أن «مشاريع قومية كبرى» سابقة قد خيبت الآمال.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى